للمفعول فسهّل همزته الثانية وأدخل ألفاً بينهما كراهة لاجتماعهما، وتارة لم يدخلها اكتفاء بتسيهل الثانية وهي أَوْجَهُ.
والباقون أدخلوا همزة الإنكار على " شَهِدُوا " ثلاثياً.
ولم ينقل أبو حيان عن نافع تسهيلَ الثانية.
بل نقله عن عليِّ بْنِ أبي ط البٍ.
وقرأ الزهري أُشْهِدُوا رباعياً مبنياً للمفعول وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون حذف الهمزة لدلالة القراءة الأخرى عليها، كما تقدم في قراءة أَعْجَميٌّ.
والثاني : أن تكون الجملة خبرية، وقعت صفة لإناثاً، أي أجَعَلُوهُمْ إنَاثاً مَشْهُوداً خَلْقَهُمْ كذلك.
قوله :﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ﴾ قرأ العام ستُكْتَب بالتاء من فوق مبنياً للمفعول " شهادتهم " بالرفع لقيامه مقام الفاعل ؟ وقرأ الحسن : شَهَادَاتُهُمْ بالجَمْع، والزُّهْريُّ : سَيَكْتُبُ بالياء من تحت وهو في الباقي كالعامة.
وابن عباس وزيدُ بْنُ عليّ وأبو جعفر وأبو حَيْوَةَ سَنَكْتُبُ ـ بنون العظمة ـ شَهَادَتَهُمْ بالنصب مفعولاً به.
فصل المعنى سنكتب شهادتهم على الملائكة أنهم بنات الله ويسألون عنها.
قال الكلبي ومقاتل : لما قالوا هذا القول سألهم النبي ـ ﷺ ـ فقال : ما يُدْرِيكُمْ أنهم إناث ؟ قالوا : سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لَمْ يُكَذِّبُ، ا فقال اله تعالى :﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ عنها في الآخرة وهذا يدل على أن القول بغير دليل منكر، وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم، والعقاب الشديد.
٢٤٥
قال المحققون : هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه : أولها : إثبات الولد.
ثانيها : أن ذلك الولد بنت.
وثالثها : الحكم على هؤلاء الملائكة بالأنوية.
فصل احتج من قال بتفضيل الملائكة على البشر بهذه القراءات، أما قراءة " عِنْدَ " بالنون، فهذه العندية لا شك أنها عندية الفضل والقرب من الله تعالى بسبب الطاعة ولفظة " هُمْ " يوجب الحصر والمعنى أنهم هم الموصوفون بهذه العندية لا غيرهم، فوجب كونهم أفضل من غيرهم، رعاية للفظ الدال على الحَصْرِ.
وأما قراءة عِبَاد جمع " العَبْد " فقد تقدم أن لفظ العباد في القرآن مخصوصٌ بالمؤمنين، فقوله " عِبَاد الرَّحْمَنِ " يفيد حَصْرَ العُبُودِيَّة فيهم، فَإذَا كَانَ اللَّفظُ الدّالُ على العُبُوديَّة دالاً على حصر الفضل والقرب والشرب لهم وجب كونهم أفضل ؛ والله أعلم.
قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ...
﴾ الآية يعنى الملائكة قاله قتادة ومقاتل والكلبي.
وقال مجاهد : يعني الأوثان.
وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياهم، لرضاه منا بعبادتها وهذا نوع آخر من كفرهم وشبهاتهم.
فصل قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على فساد القول بالجبر في أن كفر الكافر يقع بإرادة الله من وجهين : الأول : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا : لو شاء الرحمن ما عَبَدْنَاهُمْ وهذا تصريح بقول المجبرة.
ثم إنه تعالى أبطله بقولهم :﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ فثبت بطلان هذا المذهب ونظيره قوله تعالى في سورة الأنعام :﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا﴾ [الأنعام : ١٤٨] إلى قوله :﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام : ١٤٨].
الثاني : أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنواع كفرهم، فِأولها : قوله (تعالى) :﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ وثانيها : قوله :﴿وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً﴾ : قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾.
٢٤٦