٢٧٢
الثالث : قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : هو كلام مناقض ؛ لأن معناه ما من آية من التِّسْع إلا وَهِيَ أكبر من كل واحدة، فتكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة.
قلْتُ : الغرض بهذا الكلام وصفين بالكِبَر، لا يَكَدنَ يَتَفَاوَتْنَ فيه وكذلك العادة في الأشياء التي تتقارب في الفضل التقارب اليسير تختلف آراء الناس في تفصيلها، فبعضهم يفضل هذا وبعضهم يُفَضِّل هذا، وربما اختلف آراء الواحد فيها، كقول الحماسي : ٤٤١٠ـ مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تَقُلْ لآقَيْتَ سَيِّدَهُمْ
مِثْلَ النُّجُومِ الَّتِي يُهْدَى بِهَا السَّارِي
وقالت الأنبارية في الجملة من أبنائها : ثَكِلْتُهُمْ إنْ كُنْتُ أعْلَمُ أَيُّهُمْ أَفْضَلُ، هُمْ كَالحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ لَ يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا.
انتهى كلامه.
وأوله فظيع جداً، كأن العبارات ضاقت عليه حتى قال ما قال، وإن كان جوابُهُ حسناً فسُؤاله فظيع.
فصل ذكر أنه تعالى أرسل موسى بآياته، وهي المعجزات التي كانت من موسى إلى فرعون وملئه أي قومه فقال موسى :" ﴿إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
فَلَمَّا جَاءَهُ بتلك الآيات ﴿إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾ استهزاء قيل : إنه لما ألقى عصاه صار ثعباناً، ثم أخذه فصار عصاً كمما كان فضحكوا.
ولما عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا.
٢٧٣
ثم قال :﴿وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ أي قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها وَأَخَذْنَاهُمْ بالعَذَابِ أي بالسنين والطوفان، والجراد والقمل والضفادع والدم والطَّمس، فكانت هذه دَلالات لموسى وعذاباً، وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عن الكفر إلى الإيمان.
قالت المعتزلة : هذا يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل فإنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان.
قوله :﴿وَقَالُواْ يا أيها السَّاحِرُ﴾ تقدم الكلام فيه في النور، والمعنى أنهم لما عاينوا العذاب قالوا لموسى أيها السَّاحرُ، أي يا أيها الكامل الحاذق، وإنما قالوا هذا توقيارً وتعظيماً ؛ لأن السحر عندهم كان علماً عظيماً، وصفةً محمودةً.
وقيل : معناه " يا أيها الذين عَلَبَنَا بسحره ".
وقال الزجاج : خاطبوه به لما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر.
فإن قيل : كيف سَمَّوهُ بالساحر مع قولهم : إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ؟ !.
فالجواب من وجوه : الاول : أنهم كانوا يسمون العالم الماهر ساحراً، لأنهم يستعظمون السحر وكما يقال في زماننا في العمل العجيب الكامل : إنه أتى بالسحر.
والثاني : أيُّهَا السَّاحِر في زعم الناس، ومتعارف قوم فرعون، كقوله :﴿وَقَالُواْ يا أيها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر : ٦] أي نزل عليه الذكر في اعتقاده وزعمه.
الثالث : أن قولهم :﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ وقد كانتوا عازمين على خلافه، ألا ترى إلى قوله ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ فتسميتهم إياه بالساحر لا ينافي قوله :﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾.
قوله :﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ أي بما أخبرنا عن عهده إليك إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله يكشف عنا إننا لمهتدون مؤمنون فدعا موسى فكشف عنهم، فلم يؤمنوا فلذلك قوله عز وجل :﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ أي نكثوا ذلك العهد، يعني يَنْقُضُونَ عَهدَهُمْ ويُصرون على كفرهم.
قوله تعالى :﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ لما ذكر معاملة قوم فرعون مع موسى ذلك أيضاً معاملة فرعون معه.
فقال ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ أي أظهر هذا القول.
{قَالَ يا
٢٧٤