أي : تمرون بالدِّيَار، ولكنه غير مقيس.
والثالث : أن يكون " غشاوة " اسماً وضع موضع المصدر الملاقي لـ " خَتَمَ " في المعنى ؛ لأن الخَتْمَ والتغشية يشتركان في معنى السّتر، فكأنه قيل :" وختم التغشية " على سبيل التأكيد، فهو من باب " قعدت جلوساً "، وتكون " قلوبهم وسمعهم وأبصارهم مختوماً عليها مغشاة ".
وقال الفَارِسِيّ : قراءة الرفع الأولى، لأن النَّصب إما أن تحمله على فعل يدلّ عليه " ختم "، تقديره : وجعل على أبصارهم غشاوة، فهذا الكلام من باب :[الكامل] ١٦٠ - يَا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا
مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً
وقوله :[الرجز] ١٦١ - عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً
حتَّى شَتَتْ هَمَّالَةٌ عَيْنَاهَا
ولا تكاد تجد هذا الاستعمال في حالة سَعَةٍ، ولا اختيار.
واستشكل بعضهم هذه العبارة، وقال : لا أدري ما معنى قوله ؛ لأن النصب إما أن تحمله على " خَتَم " الزاهر، وكيف تحمل " غشاوة " المنصوب على " ختم " الذي هو فعل هذا ما لا حمل فيه ؟ قال : اللّهم إلا أن يكون أراد أن قوله تعالى :" ختم الله على قلوبهم " دعاء عليهم لا خَبَر، ويكون " غشاوة " في معنى المصدرية المَدْعو به عليهم القائم مقام الفعل، فكأنه قيل :
٣٢٢
وغَشَّى الله على أبصارهم، فيكون إذ ذاك معطوفاً على " ختم " عطف المصدر النائب مناب فعله في الدّعاء، نحو :" رحم الله زيداً وسُقياً له " فتكون إذ ذاك قد حُلْت بين " غشاوة " المعطوف وبين " خَتَمَ " المعطوف عليه بالجار والمجرور.
وهو تأويل حسن، إلاّ أن فيه مناقشة لفظيةً ؛ لأن الفارسي ما ادّعى الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه إنما ادعى الفصل بين حرف العطف والمعطوف عليه أي بالحرف، فتحرير التأويل أن يقال : فيكون قد حُلْت بين غشاوة وبين حرف العطف بالجار والمجرور.
والقراءة المشهورة بالكسر ؛ لأن الأشياء التي تدلّ على الاشتمال تجيء أبداً على هذه الزُّنَة كالعِصَابة والعِمَامَة.
والغِشَاوة فِعَالة : الغطاء من غشاه إذا غطاه، وهذا البناء لِمَا يشتمل على الشيء، ومنه غشي عليه، وَالغِشْيَان كناية عن الجِمَاع.
و " القلب " أصله المصدر، فسمي به هذا العضو الصَّنَوْبَرِي ؛ لسرعة الخواطر إليه وتردُّدها عليه، ولهذا قال :[البسيط] ١٦٢ - مَا سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ
فَاحْذَرْ عَلَى القَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٢٠
ولما سمي به هذا العضو التزموا تفخيمه فرقاً بينه وبين أصله، وكثيراً ما يراد به العقل ويطلق أيضاً على لُبِّ كل شيء وخالصه.
و " السمع " و " السماع " مصدران لـ " سمع "، وقد يستعمل بمعنى الاستماع ؛ قال :[البسيط] ١٦٣ - وَقَدْ تَوَجَّسَ رِكْزَاً مُقْفِرٌ نَدُسٌ
بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعَهَ كَذِبُ
أي : ما في استماعه.
و " السِّمْع " - بالكسر - الذِّكْر بالجميل، وهو - أيضاً - ولد الذئب من الضَّبُع، ووحد وإن كان المراد به الجمع كالذي قبله وبعده ؛ لأنه مصدر حقيقة، يقال : رَجُلان صَوْم، ورجال صوم، ولأنه على حذف مضاف، أي : مواضع سمعهم، أو حواس سمعهم، أو يكون كني به عن الأُذُن، وإنما لفهم المعنى ؛ كقوله [الوافر] ١٦٤ - كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا
فَإِنَّ زَمَانَكُمْ زَمَنٌ خَمِيصُ
أي : بطونكم.
٣٢٣
ومثله قال سيبويه :" إنه وإن وُحِّد لفظ السمع إلاَّ أن ذكر ما قبله وما بعجه بلفظ الجمع دليل على إرادة الجمع ".
ومنه أيضاً قال تَعَالى :﴿يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة : ٢٥٧]، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ﴾ [ق : ١٧] ؛ قال الراعي.
١٦٥ - بِهَا جِيَفُ الحَسْرى فأمّا عِظَامُهَا
فَبِيضٌ وأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ