وقرأ عليٌّ مُجَاهِدٌ ـ رضي الله عنهما ـ سُلَفاً ـ بضم السين.
وفيه وجهان :
٢٨٠
أشهرهما : أنه جمع سُلْفَةٍ كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ.
والسُّلْفَة الأُمَّةُ.
وقيل : الأصل سُلُفاً بضمتين، وإنَّما أبدل من الضمة فتحة.
وقوله :" مَثَلاً " إما مفعول ثان إن كانت بمعنى صير، وإلاَّ حالاً.
قاق الفراءُ والزجاجُ : جعلناهم متفرقين ليتعظ بهم الآخرون، وهم كفار أمة محمد ـ ﷺ ـ والمعنى ومثلاً للآخرِينَ أي عِظة لمن بقي بعدهم وعبرة.
قال أبو علي الفارسي : المَثَلُ واحد يراد به الجمع، ومن ثم عطف على سلف والدليل على وقوعه (على) أكثر من واحد قوله تعالى :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً﴾ [النحل : ٧٥].
فأدخل تحت المَثَل شَيْئَيْن وقيل : المعنى سلفاً لفكار هذه الأمة إلى النار، ومثلاً لمن يجيء بعدهم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٧٠
قوله تعالى :﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا﴾ اعلم أنه تعالى ذكر أنواعاً كثيرة من كفراناتهم، فأولها : قوله تعالى :﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف : ١٥].
وثانيها : قوله :﴿وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـانِ إِنَاثاً﴾ [الزخرف : ١٩].
وثالثها : قوله :﴿وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف : ٢٠].
ورابعها : قوله :﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف : ٣١].
٢٨١
وخامسها : هذه الآية : وليس في لفظها ما يدل على أن ذلك المثللا أي شيء كان والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً : أشهرها : قال ابن عباس وأكثر المفسرين : نزلت الآية في مجادلة عبدالله بن الزِّبَعْرى مع النبي ـ ﷺ ـ في شأن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما نزل قول الله عز وجل :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء : ٩٨] كما تقدم في سورة الأنبياء.
والمعنى : ولما ضرب عبدالله بن الزبعرى عيسى ابن مريم مثلاً، وجادل رسول الله ـ ﷺ بعبادة النصارى إياه " إِذَا قَوْمُكَ " من قريش " مِنْهُ " أي من هذا المثل " يَصِدُّونَ " أي يرتفع لهم ضجيج فرحاً بسبب مارأوا من سكوت النبي ـ ﷺ ـ فإنه قد جرت العادة بأن أحد الخصْمَيْن إذا انقطع، أظهر الخصْمُ الثاني الفرحَ والضَّجيجَ.
وقيل : إن النبي ـ ﷺ ـ لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح وجعلوه إِلَهاً لأنفسهم قالت كفار قريش : إن محمداً يريد أن يجعل نفسه لنا إلهاً كما جعل النصارى المسيح إِلَهاً لأنفسهم فعند هذا قالوا :﴿أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ﴾ فعند ذلك قالوا : إن محمداً يدعونا لعبادة نفسه وآباؤنا زعموا أنه يجبُ عبادة هذه الأصنام وإذا كان لا بد من عبادة أحد هذين فعبادة الأصنام أولى ؛ لأن آبائنا وآسلافنا أجمعوا على ذلك، وأما محمد فإنه متهمٌ في أمرنا بعبادته.
ثم إنه تعالى لم يقل : إن عبادة المسيح طريق حسن، بل هو كلام باطل، وأن عيسى ليس إلا عبداً أنْعَمْنَا عَلَيِْ فزالت شبهتهم في قولهم : إن محمداً يريد أن يأمرنا بعبادة نفسه.
وقيل : إن الكفار لما رأوا النصارى يعبدون عيسى قالوا إذا عبد النصارى عيسى فآلهتنا خير من عيسى فعبدوال الملائكة.
قوله :" يَصُدُّونَ " قرأ نافع وابن عامر والكسائي ويصدون ـ بضم الصاد ـ والباقون بكسرها، ـ فقيل : هما بمعنى واحد.
وهو الصحيح واللفظ، يقال : صَدَّ يَصُدذُ ويَصِدُّ كَعَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ وعَرَشَ يَعْرُشُ وَيَعْرِشُ.
قال ابن عباس (رضي الله عنهما) يضْجَرون.
وقال سعيد بن المسيب :
٢٨٢