يصيحون.
وقال الضحاك : يعِجُّون.
وقال قتادة : يجْزَعون، وقال القُرَظِيُّ : يضجرون.
وقيل : الضَّم من الصّدود وهو الإعراض وقد أنكر ابن عَبَّاس الضم، وقد روي له عن علي ـ رضي الله عنه ـ.
وهذا واللهُ أَعْلَمُ ـ قبل بلوغه تواتره.
قوله تعالى :﴿وَقَالُوا ااْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ﴾ قرأ أهل الكوفة بتحقيق الهمزة الثانية والباقون بتسهيلها بين بين.
ولم يدخل أحدٌ من القراء الذين من قاعدتهم الفصل بين الهمزتين بألفٍ أَلِفاً كراهة لتوالي أربع مُتَشَابِهَاتٍ.
وأبدل الجميع الهمزة الثانية ألفاً، ولا بد من زيادة بيان، وذلك أن آلهة جمع إله كعِمَادٍ، وأَعْمِدَةٍ، فالأصْل أَأْلهةٌ، بهمزتين الأولى زائدة، والثانية فاء الكلمة، وقعت الثانية ساكنةً بعد مفتوحة فوجب قلبُها ألفاً " كَآمَنَ وبابِهِ "، ثم دخلت همزة الاستفهام على الكل فالتقى همزتان في اللفظ، الأول للاستفهام، والثانية همزة " أَفْعِلَةٍ " فالكوفيون لم يعتدوا باجتماعهما، فأبقوهما على ما لَهُما، وغيرهم استثقل فخفف الثانية بالتسهيل بين بين، والثالثة ألف محضة لم تغير البتَّةَ.
وأكثر أهل العصر يقرأون هذا الحرف بهمزة واحدة بعدها ألف على لفظ الخبر ولم يقرأ به أحدٌ من السبعة فيما علمنا إلا أنه قد روي أن وَرْشاً قرأ كذلك في رواية أبي الأَزهَر وهي تحتمل الاستفهام كالعامة.
وإنما حذف أداة الاستفهام لدلالة أم عليها، وهو كثير.
ويحتمل أنه قرأة خبراً محضاً وحينئذ تكون أم منقطعة تقدر ببل والهمزة وأما الجماعة فهي عندهم متصلة.
فقوله :: " اَمْ هُوَ " على قراءة العامة عطف على " آلهتنا خير " وهو من عطف المفردات، والتقدير : أَاَلهتنا أَمْ هُوَ خَيْرٌ ؟ أي أيهما خير ؟ وعلى قراءة ورش يكون هو
٢٨٣
مبتدأ، وخبره محذوف تقديره : بل أهُوَ خَيْرٌ.
وليست " أمْ " حنيئذ عاطفةً.
فصل قال قتادة معنى قوله :" أمْ هُو " يعنون محمداً فنعبده ونترك آلهتنا.
وقال السدي وابن زيد : أم هو يعني عيسى قالوا يزعم محد أن كل ما عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير، والملائكة في النار، قال الله تعالى :﴿مَا ضَرَبُوهُ﴾ يعني هذا المثل :" لَكَ إلاَّ جَدَلاً " أي خصومة بالباطل، فقد علموا أن المراد من قوله :﴿وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء : ٩٨] هؤلاء الأصنام ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ مبالغون في الخُصُومَة.
روي أنه عليه الصلاة والسلام قال :" مَا ضَلَّ قوم بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْه إلاَّ أُوتُوا الجَدَل " ثم قرأ :﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾.
قوله :" جَدَلاً " مفعول من أجله، أي لأجل الجدل والمِرَاء، لا لإظهار الحق، وقيل : هو مصدر في موضع الحال أي إلا مُجَادِلين.
وقرأ ابن مقسِم : جِدَالاً والوجهان جاريان فيه.
والظاهر أن الضمير في " هو " لعيسى كغيره من الضمائر.
وقيل : هو للنبيّ ـ عليه الصلاة والسلام، وبكُلِّ قال به المفسرون كما تقدم.
فصل تمسك القائلون بذم الجدل بهذه الآية، والآيات الكثيرة دالة على مدح الجدل فالتوفيق بينهما أن تًصْرَفَ الآيات الدالة على مدح الجدل إلى الجدل الذي يفيد تقرير الحق وتصرف هذه الآية إلى الجدل الذي يوجب تقرير الباطل.
قوله (تعالى) :﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ﴾ أي ما هو يعني عيسى " إلاَّ عَبْدٌ " كسائر العبيد " اَنْعَمْنَا عَلَيْه " حيث جعلناه آية، بأن خلقناه من غير ذكَرٍ كما خلقنا آدم، وشرفناه بالنبوّة " وَجَعَلْنَاه مَثَلاً " أي آية وغيره " لِبَنِي إسْرَائِيلَ " يعرفون به قدرة الله على ما يشاء حيث خقله من غير أبٍ ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً﴾ أي لو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم
٢٨٤
ملائكة ﴿فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ﴾ أي يكونون خلفاً منكم يَعْمُرونَ الأرض، ويعبدونني ويطيعوني.
وقيل : يخلف بعضُهم بعضاً.
قوله :﴿لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً﴾ في مِن هذه أقوال : أحدها : أنها بمعنى بدل أي لجعلنا بَدَلَكُمْ كما تقدم في التفسير، ومنه أيضاً ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ﴾ [التوبة : ٣٨] أي بدلها.
وأنشد (رَحْمَةُ اللهِ عليه) ـ : ٤٤١٥ـ أَخَذُوا المَخَاضَ مِنَ الفَصِيلِ غُلُبَّةً
ظُلْماً وَيُكْتَبُ للأَمِيرِ إفَالاً
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٨١
وقال آخر : ٤٤١٦ـ جَارِيَةٌ لَمْ تَأكُل المُرَقَّقَا
وَلَمْ تّذُقْ مِنَ البُقُولِ الفُسْتُقَا