والثاني : هو المشهور : أنها تبعيضية.
وتأويل الآية لولدنا منكم يا رجالُ ملائكةً في الأرض يَخْلُفُونَكُمْ كما تخلفُكُمْ أولادكم، كما ولدْنا عيسى من أنثى دونَ ذكر.
ذكره الزمخشري.
والثالث : أنها تبعيضية قال أبو البقاء وقيل : المعنى لَحَوَّلْنَا بعضَكُمْ ملآئكة.
قوله :" وَإِنَّه لعِلْمٌ " المشهور أن الضمير " لِعِسى يعني نزوله آخر الزمان، وقيل الضمير للقرآن، أي فيه علم الساعة وأهوالها، أو هوعلامة على قربها ومنه ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء : ١] ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر : ١] ومنه :" بُعثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " والعامة على " عِلْم " مصدراً جعل علْماً مبالغة، لمَّا كان به يحصل العلم، أو
٢٨٥
لما كان شرطاً يعلم به ذلك أطلق عليه علم.
وابنُ م عباس وأبُو هيريرة وأبو مَالِكٍ الغفاريّّ وزيد بن علي لَعَلَمٌ ـ، بفتح العين والفاء ـ أي لشرطٌ وعلامةٌ.
وقرا أبو نَضْرَةَ وعِكْرمةُ كذلك إلا أنَّهما عرَّفا باللام فقرآ لَلْعِلْمُ أي للعَلاَمةُ المَعْرُوفَةُ.
فصل معنى الآية أن نزول عيسى من أشراط الساعة يعلم بها قربها، قال ـ عليه الصلاة ولاسلام ـ :" لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَادِلاً يَكْسرُ الصَّلِيبَ ويَقْتُلُ الْخِنزِير، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ، وتَهْلِكُ فِي زَمَانِهِ المِلَلُ كُلُّهَا إلاَّ الإسْلاَمَ " ويروى : أنه ينزل على ثنيّة بالأرض المقدسة يقال لها أَفِيق، وبيده حَرْبَةٌ، وعليه مُمَصَّرتَانِ، وشعر رَأسِهِ دَهِينٌ يقتل الدَّجَّالَ، ويأتي بيتَ المقدس والناس في صلاة العصر ـ روري في صلاة الصبح ـ فيتأخر الإمام فيتقدمه عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويصلي خَلْفه على شريعة محمد ـ صلى لله عليه وسلم ـ ثم يقتُل الخَنَازِيرَ، ويكسرُ الصليبَ، ويخَرب البيعَ والكنائسَ ويقتل النَّصَارَى إلا من آمن به.
قوله :" فَلاَ تَمْتَرُونَّ " من المِرية وهي الشك أي لا تَشُكُّنَّ فيها.
قال ابن عباس (رض يالله عنهما) لا تكذبوا بها " واتَّبِعُونِي " على التوحيد " هَذَا " الذي أنا عليه " صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ".
" وَلاَ يَصُدُّنَّكُمْ " لا يصرفنكم " الشَّيْطَانُ " عن دين الله ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ قد بانت عداوته لكم لأجل أنه أخرج أبويكم من الجنة، ونزع عنهما لباس النور.
قوله تعالى :﴿وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي بالمعجزات وبالشرائع البينات الواضحات ﴿قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ﴾ وهي النبوة.
وقيلأ : معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله
٢٨٦
﴿وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ من أحكام التوراة.
قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزّبوا في أمر عيسى.
قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.
وقيل : كانوا قد اختلفوا في أشياء من أحكام التكاليف، واتفقوا على أشياء فجاء عيسى ليبين لهم الحقَّ في تلك المسائل الخلافية.
قال ابن الخطيب : وبالجملة فالحكمة معناها أصول الدين، وبعض الذي يختلفون فيه معناه فروع الدين.
فإن قيل : لِمَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ كُلَّ الذي يختلفون فيه ؟ فالجواب : لأن الناس قد اختلفوا في أشياء لا حاجة لهم إلى معرفتها فلا يجب على الرسول بيانُهَا.
ولما بين لهم الأصول والفروع قال :" فَاتَّقُ، ا اللهَ " من الكفر والإعراض عني دينه " وَأطِيعُوهُ " فيما أبلغه إليكم من التكاليف، ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ﴾ أي الفرق المتحزبة بعد عيسى وهم الملكانيّة واليعقوبية والنسطورية، وقيل : اليهود والنصارى ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ وهو وعيد يوم الأحزاب.
فإن قيل : الضمير في قوله " بَيْنَهُمْ " إلى من يرجع ؟ فالجواب : إلى الذي خاطبهم عيسى في قوله :﴿قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ﴾ وهم قومه.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٨١
قوله :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ﴾ أين أنها تأتيهم لا محالة، فكأنهم
٢٨٧


الصفحة التالية
Icon