ينظرونها.
فقوله :" أنْ تَأتِيَهُمْ " بدل من الساعة.
والمعنى هل ينظرون إلا إتيان الساعة.
قوله :" بَغْتَة " فجأة.
فإن قيل : قوله بغتة يفيد ما يفيد قوله :" وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ " فما فائدته ؟ فالجواب : يجوز أن تأتيهم بغتة وهم يعرفونه بسبب انَّهم يشاهدونه ".
قوله تعالى :" الأَخِلاّاءُ يَوْمَئِذٍ " مبتدأ وخبره " عَدُوٌّ " والتنوين في " يومئذ " عوض عن جملة، تقديره :" يَوْمَئِذ تأتِيهُمْ السَّاعَةُ.
والعامل في يَوْمَئذٍ : تَأتِيهُمُ السَّاعَةُ والعامل في " يومئذ " لفظ " عدو " أي عَدَاوتهم في ذلك اليوم.
فصل معنى الآية الأخلاء على المعصية في الدنيا يومَئِذٍ أي يوم القيامة ﴿لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ يعني المتحابين في الله على طاعة الله وهم الموحدون الذين يخالٌّ بعضهم بعضاً على الإيمان والتقوى فإن خلتهم لا تصير عداوة.
رويى أبو ثَوْرٍ عن مَعْمَر عن قتادة عن أبي إسحاقَ أنَّ عَلِياً (رضي الله عنه) قال : في الآية خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب إن فلاناً كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخَيْر، وينهاني عن الشر، ويخبرني أني مُلاَقِيكَ يا رب، فلا تُضِلَّهُ بعدي، واهْدِهِ كما هديتني وأَكْرِمْهُ كما أكْرَمتنِي، فإذا مات خليله المؤمن جمع (الله) بينهما فيقول (الله تعالى) : ليُثْنِ أَحَدُكُمَا على صاحبه فيقول :(يا رب) نعم الأخ، ونعم الخليلُ، ونعم الصاحبُ.
قال : ويموت أحد الكافرين فيقول : يا رب إن فلاناً كان ينهاني عن ذاتك وطاعة رسولك ويأمرني بالشر، وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك فيقول : بئس الأخُ وبئس الخليلُ وبئس الصاحُب.
٢٨٨
قوله :"يَا عِبَادي " قرأ أبو بكر عن عاصم :" يا عباديَ لاَ خَوْف " بفتح الياء.
والأخوان وابن كثير وحفص بحذفها وصلاً ووقفاً.
والباقون بإثباتها ساكنة.
وقرأ العامة : لاَ خَوْفٌ بالرفع والتنوين إما مبتدأ وإما اسماً لها وهو قليل.
وابن محَيْصِن دون تنوين على حذف مضاف وانتظاره أي لا خَوْفلَ شيءٍ.
والحسنُ وابنُ أبِي إسْحَاقَ بالفتح على لا التبرئة، وهي عندهم أبلغ.

فصل قد تقدم أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد بالمؤمنين المطيعين المتقن.


وفيه أنواع كثيرة توجب الفرح : أولها : أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بنفسه من غير واسطةٍ.
وثانيها : أنه تعالى وصفهم بالعبودية من غير واسطة، وهذا تشريف عظيم، بدليل أنه تعالى لما أراد تشريف محمد ـ ﷺ ـ ليلة المعراج قال :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ [الإسراء : ١]ٍ.
وثالثها : قوله :﴿لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ فنفى عنهم الحزن بسبب فوت الدنيا الماضية.
قوله :" الَّذِينَ آمَنُوا " يجوز أن يكون نعتاً لِعبَادِي، أو بدلاً منه، أو عطف بيان الله، أو مقطوعاً منصوباً بفعل أي أعْنِي الذين آمنوا.
أو مرفوعاً بالابتداء وخبره مضمر، تقديره يقال لهم : ادْخُلُوا.

فصل قال مقاتل : إذا وقع الخوف يوم القيامة نداى مُنَادٍ : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم.


فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رُؤوسم فيقال :﴿الَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ فينكس أهل الأديان الباطلة رؤوسهم فيمر حسابهم على أحسن الوجوه ثم يقال لهم :
٢٨٩
﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ﴾ تُسَرُّونَ وتُنعمُونَ والحبرةُ المبالغةُ في الإكرام على أحسن الوجوه وتقدم تفسيره في سورة الروم.
قوله تعالى :﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
قوله :" يُطَافُ عَلَيْهِمْ " قبله محذوف أي يَدْخُلُونَ (و) يُطَافُ.
الصِّحَافُ جمع صَحْفَةٍ كجَفْنَةٍ وجِفَانٍ ؛ قال الجوهريُّ : الصحْفَةُ كالقَصْعَةِ.
وقال الكسائي : أعظلم القِصَا الجَفْنة، ثم القَصْعَة تشبعُ العشرة، ثم الصفحة تشبع الخمسة، ثم المَكِيلةَ تشبع الرجلين والثلاثة (ثم الصحيفة تشبع الرجل).
والصحيفة الكتاب والجمع صُحُفٌ وصَحَائِفُ.
وأمال الكسائي ـ في رواية ـ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ ؟ " وأكواب " جمع كُوب، وهو إناء مستدير مدوَّر الرأس لا عُرى له.
وقيل : هو كالإبريق إلا أنه عروة له.
وقيل : إنه ما لا خرطوم له.
وقيل : إنه لا خرطوم له ولا عروة معاً.
قال الجواليقي : ليتمكن الشارب من أين شاء، فِإن العُرْوَةَ تمنع من ذلك، وقال عديّ : ٤٤١٧ـ مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أَبْوَابُه
يَطُوفُ عَلَيْهِ العَبْدُ بالكُوبِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٨٧
والتقدير : وأكواب من ذهب.
فقوله :﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ﴾ إشارة إلى المطعوم، وقوله :" وَأَكْوَابٍ " إشارة إلى المشروب.
ثم إنه تعالى لما ذكر التفصيل ذكر بياناً كلياً فقال :﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ﴾ أي في الجنة.


الصفحة التالية
Icon