٢٩٠
قوله :﴿مَا تَشْتَهِيِ الأَنْفُسُ﴾ قرأ نافع وابن عامر وحفص تَشْتَهِيهِ بإثبات العائد على الموصول، كقوله : كـ ﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾ [البقرة : ٢٧٥].
والباقون بحذفه كقوله :﴿أَهَـاذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً﴾ [الفرقان : ٤١].
وهذه القراءة شبيهة بقوله :﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس : ٣٥].
وقد تقدم يسَ.
وهذه الهاء في هذه السورة رسمت في مصاحف المدينة والشام وحذفت من غيرها.
وقد وقع لأبي عبدالله الفاسي شارح القصيدة وَهَم فسبق قلمه فكتب والهاء منه محذوفة في مصاحف المدينة والشام ثابتة في غيرهما أراد أن يكتب ثابتة في مصاحف المدينة والشام محذوفة من غيرهما فعكس.
وفي مصحف عبدالله : تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّهُ الأعيُنُ بالهاء فيِهِمَا.
فصل روي أن رجلاً قال يا رسول الله (هل) في الجنَّة خَيْلٌ ؟ فإني أُحب الخيل فقال : إن يُدْخِلْكَ الله الجنة فلا تشاء أن يركبك فرساً من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فَعَلْتَ.
فقال أعرابي يا رسول الله : أفي الجنة إبل ؟ فإني أحب الإبل فقال يا أعرابي : إنْ أَدْخَلَك الله الجنَّة أَصَبْتَ فيها ما اشتهيت نفسك ولَذَّتْ عَيْنُك.
قوله (تعالى) ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قد تقدم الكلام في معنى وراثة الجنة عند قوله :﴿أُوْلَـائِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون : ١٠ـ١١] ولما ذكر الطعام والشراب ذكر الفاكهة فقال :﴿لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ جاء في الحديث :" لاَ يَنْزعُ رَجُلٌ من الجَنَّةِ من ثَمَرةٍ إلاَّ نَبَتَتْ مكانَها مِثْلاَها ".
واعلم أنه تعالى لما بعث محمداً ـ ﷺ ـ أولاً إلى العرب ثم إلى العالمين، كانت العرب في ضيق شديد بسبب المأكول، والمشروب والفاكهة، فَلِهذا ذكر الله تعالى هذه المعاني
٢٩١
مرة بعد أخرى تكميلاً لرغباتهم، وتقوية لدواعيهم.
و " مِنْ " في قوله :" مِنْهَا تَأْكُلُونَ " تبعيضية، أو اتبدائية.
وقدم الجار لأجل الفاصِلَة.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٨٧
قوله تعالى :﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ أي المشركين ﴿فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ لما ذكر الوعد أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن.
واحتج القاضي على القطع بوعيد الفساق بهذه الآية فقال : لفظ المجرم بتناول الكافر والفاسق، فوجب كون الكل في عذاب جهنم.
وقوله :﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ و " خالدون " بدل على الخلود.
والجواب : إن ما قبل الآية وما بعدها يدل على أن المراد من لفظ المجرم ههنا الكافر.
فأما قبل الآية فقوله : يَا عِبَادِي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْم وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
الَّذِينَ آمَنُوا بآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ.
وهذا يدل على أن كل من آمن بآياتِ الله وكان مسلماً، فإنه يدخل تحت قَوله :" يَا عِبَادِي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْم " والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله وآياته وأسلم فوجب أن يدخل تحت ذلك الوعد، وأن يخرج من هذا الوعيد.
لكن وأما بعد الآية فقوله تعالى :﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ والمراد بالحقّ ههنا إما الإسلام وإما القرآن، والرجل المسلم لا يكره الإسلام ولا القرآن.
فثبت أن ما قبل الآية وما بعدها يدل على أن المراد من المجرمين الكفار.
والله أعلم.
قوله :﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ جلمة حالية وكذلك ﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ وقرأ عبدالله :" وَهُمْ فِيهَا " أي في النار لدلالة العذاب عليها.
واعلم أنه قد تقدم أن الخلود عبارة عن طول المُكْث، ولا يفيد الدوام.
وقوله :﴿لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ﴾ أي لا يخفف فلا ينقص من قولهم : فَتَرَتْ عَنْهُ الحُمَّى إذا سكَنَتْ ونقص حَرُّهَا.
٢٩٢
وقوله :﴿وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ والمُبْلِسُ هو اليائس الساكت سكوت يائس من فَرَجٍ.
عن الضحاك : يُعقل المجرم في تابوت من نار، ثم يُقْفَلُ عليه فيبقى خالداً لا يرى ولا يرى.
قوله :﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـاكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ العامة على الياء خبراً لكان، و " هم " إما فصل، وإمَّا توكيد، وقرأ عبدالله وأبو زَيْدٍ النحويات : الظَّالِمُونَ على أنه مبتدأ و " الظالمون " خبره والجملة خبر كان.
وهي لغة تميم.
قال أبو زيد : سمعتهم يَقْرَأُونَ :﴿تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾ [المزمل : ٢٠] بالرفع.
وقال قيس بن ذُرَيْح (الشاعر) ٤٤١٨ـ تَحِنُّ إلَى لَيْلَى وَأَنْتَ تَرَكْتَهَا
وَكُنْتَ عَلَيْهَا بالمَلاَ أَنْتَ أَقْدَرُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٩٢


الصفحة التالية
Icon