برفع " أقدر " و " أنت " فصل أو توكيد.
قال سيبويه : بلغنا أن رؤبة كان يقول : أَظُنُّ زَيْداً هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ يعني بالرفع.
فصل احتج القاضي بقوله :﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـاكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ فقال : إن كان خلق
٢٩٣
فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفاهُ بقوله :﴿وَمَا ظَلمناهم (ولكن كانواهم الظالمين) " ؟ وما الذي نسبه إلبيهم مما نفاه عنه نفسه ؟ أو ليس لو أثبتناه لهم كان لا يزيد عما قوله القوم ؟ فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزّ وجلّ بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معاً فلم يكن ذلك ظلماً من الله تعالى : قلنا : عندكم القدرةُ على الظلم موجبة للظلم، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى، وكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج من أن يكون ظلماً لهم، وذلك محال، لأن من يكون ظالماً في فعله إذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون ذلك أحق فيقال للقاضي : قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعيِّنة لأحد الطرفين ؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إنْ وقع لا لمرجّح، لزم نفي الصانع، وإن افتقر إلى مرجَّح عاد التقسيمُ الأول، وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله تعالى في العبد، وحينئذ يلزمك ما ألزمته علينا.
وأن كانت تلك القدرة متعينة لأحد الطرفين فحينئذ يلزمك أوردجته علينا.
قال ابن الخطيب : وليس الرجل من يرى (وجه) الاستدلال فيذكره إنما الرجل مَنْ ينظر فيما قبل الكلام وفيما بعده، فإن رآه وارداً على مذهبه بعينه لم يَذْكره.
قوله تعالى :{وَنَادَوْاْ يا مَالِكُ﴾
العامة من غير ترخيم.
وعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وعبدُ الله بن وثَّاب والأعمشُ يَا مَالِ " مرخَّماً " على لغة ينتظر المحذوف.
قيل لابن عباس : إن ابن مسعود قرأ " وَنَادَوْا يَا مَالِ " فقال : ما أشغلَ أهل النار بالترخيم، وأجيب عنه : بأنه إما حَسُنَ الترخيم لأنهم بلغوا من الضعف والنحافةِ إلى حيث لا يمكن أن يذكروا من الكلمة إلا بعضها.
وقرأ أبو السَّرار الغَنَوِيُّ : يَا مَالُ مَبْنِيًّا على الضم على لغة من لا ينوي.
فصل روي ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أن أهل النار يدعون مالكاً خازن النار يقولون :﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ لِيُمِتْنَا ربك فنستريح فيجيئهم مالك بعد ألف سنة " إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ " مقيمون في العذاب وعن عبدالله بن عمرو بن العاص يجيئهم بعد أربعين سنة وعن غيره مائة سنة.
٢٩٤

فصل اختلفوا في أن قولهم : يا مالك ليقضي علينا ربك على أي الوجوه طلبوه ؟ فقال بعضهم : على التمني.


وقال آخرون : على وجه الاستغاثة، وإلا فهم عالمون بأنه لا خلاص لهم من ذلك العقاب.
وقيل : لا يبعد أن يقال : إنهم لشدة ما هم فيه نَسُوا تلك المسألة تذكرة على وجه الطلب.
ثم إنه تعالى بين أن مالكاً يقول لهم :" إنكم ماكثون " وليس في القرآن متى أجابهم، هل أجابهم في الحال أو بعد ذلك بمدة ؟ ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك ماهو كالعلة لذلك الجواب فقال :﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾ والمراد نُفْرَتُهُمْ عن محمد ـ ﷺ ـ وعن القرآن، وشدّة بغضهم لقبول الدين الحق.
فإن قيل : كيف قال :" وَنَادَوْا يَا مَالِكُ " بَعْدَ مَا وَصَفُهمْ بالإبْلاَسِ ؟ فالجواب : أنها أزمنةٌ متطاولة، وأحقابٌ ممتدة فتختلف بهم الأحوال فَيْسكُنُونَ أوقاتاً لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتاً لشدة ما بهم.
روي أنه يُلْقَى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون : ادعوا مالكاً فيَدْعُونَ يا مالكُ لِيَقْضِي عَلَيْنَا رَبُّكَ.
ولما ذكر الله تعالى كيفيةَ عذابهم في الآخرة، ذكر بعده كيفية مكرهم، وفساد باطنهم في الدنيا فقال :﴿أَمْ أَبْرَمُوا ااْ أَمْراً﴾ أي أحكموا أمراً في المكر برسول الله ـ ﷺ ـ يعني مشركي مكة " فإنَّا مُبْرِمُونَ " محكمون أمراً في مجازاتهم أي مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى :﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ [الطور : ٤٢].
قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم في المكر في دار الندوة وقد تقدم في قوله :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ...
[الأنفال : ٣٠] الآية.
قوله :" أمْ أَبْرَمُوا " أم منقطعة.
والإبرام الإتقان وأصله في الفتل يقال : أَبْرَمَ الحَيْلَ، أي أتْقَنَ فَتْلَهُ وهو الفَتْلُ الثاني، والأول يقال له : سَجِيلٌ قال زهير : ٤٤١٩ـ لَعَمْرِي لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدتُّمَا
عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ ومُبْرَمِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٩٢
قوله تعالى :﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم﴾ السر ما حدث الرجل به
٢٩٥


الصفحة التالية
Icon