نفسه أو غيره في مكان والنجوى ما تكلموا به فيما بينهم " بَلى نسمع ذلك " و " نَعْلَمُ " رُسُلُنَا " أي الحفظة " لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " أي يكتبون عليهم جميع أحوالهم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٩٢
قوله تعالى :﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـانِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾.
قوله ﴿إِن كَانَ لِلرَّحْمَـانِ﴾ قيل شرطية على بابها، واختلف في تأويله، فقيل : إن ذلك فأنا أول من يعيده، لكنه لم يصح ألبتة بالدليل القاطع، وذلك أنه علق العبادة بكَيْنُونَة الولد، وهي محالٌ في نفسها، فكان المعلق بها محالاً مثلها.
فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها.
ذكره الزمخشري.
وقيل : إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين أي الموحِّدِين لله، المكذبين لهذا القول.
واعلم أن هذا التأويل فيه نظر، سواء أثبتوا لله ولداً، أو لم يُثْبِتُوا له، فالرسول منكر لذلك الولد، فلم يكن لزعمهم تأثير في كون الرسول منكراص لذلك الولد، فلم يصلح جعل زعمهم إثبات الولد مؤثراً في كون الرسول منكراً للولد.
وهذا التأويل قاله الواحدي.
وقيل : العابدين بمعنى الأَنِفِين، من عَبِدَ يَعْبَدُ إذَا اشْتَدَّ أنفه فهو عَبدٌ وعَابِدٌ، ويؤيده قراءة السُّلَمِيَّ واليَمَانِيِّ : العَبِدِينَ دون ألف.
وحكى الخليل قراءة غريبة وهي
٢٩٦
العَبْدين بسكون الباء وهي تخفيف قارءة السلمي، فأصلها بالكسر.
قال ابن عرفة : يقال : عَبِدَ بالكسر ـ يَعْبَدُ ـ بالفتح ـ فهو عَبِدٌ.
وقلَّ ما يقال : عابد والقرآن لا يجيء على القليل أو الشاذ يعني تخريج من قال : إن العابدين بمعنى الأَنِفِينَ لا يصح، ثم قال كقول مجاهد.
وقال الفرزدق : ٤٤٢٠ـ أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهمْ
وَأَعْبَدُ أَنْ أَهْجُو كُلَيْباً بِدَارِم
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٢٩٦
وقال آخر : ٤٤٢١ـ مَتَ مَا يَشَأ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ
وَيَعْبَدْ عَلَيْهِ لاَ مَحَالَةَ ظَالِمَا
قال ابن الخطيب : وهذا التعليق أيضاً فاسد ؛ لأن هذه الأنفة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل.
وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين، يقال : عَبَدَنِي حَقِّي، أي جَحَدَنِيهِ.
وقال أبو حاتم : العَبِدُ ـ يكسر الباء ـ الشديدُ الغَضَب، وهو معنى حسن، أي إن كان له ولد على زعمكم فأنا أول من يغضب لذلك.
وقيل :" إنْ " نافية ؛ أي ما كان ثم أخبر بقولهن :﴿فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أي الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية.
ومنع مكي أن تكون نافية.
قال :" لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آت، وهذا محال ".
ورد عليه بأن
٢٩٧
" كَانَ " قد تدل على الدوام.
كقوله :" وَكَانَ اللهُ غَفَوراً رَحِيماً " إلى ما لا يحصى.
والصحيح من مذاهب النحاة أنها لا تدل على الانقطاع والقائل بذلك يقول ما لم تكن قرينة كالآيات المذكورة.
وروي عن عبدالله بن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أن المعنى ما كان للرحمن ولدّ فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك، جعل " إنْ " بمعنى الجَحْد، وقال السدي معناه : ولو كان للرحمن ولد فأنا أو من عبده بذلك ولكن لا ولد له.
وتقدم الخلاف في قراءتي " وَلَد " و " ولد " في مَرْيَمَ.
ثم إن تعالى نزه نفسه فقال :﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي عما يقولون من الكذب وذلك أ، إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته، وكلّ ما كان كذلك فهو لا يقبل التَّجْزِيءَ بوجه من الوجوه، والولد عبارة أن ينفصل عن الشيء جزءٌ فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله، وهذا إنما يعقل فيما تكون ذاته قابلة للتَّجْزِيء والتبعيض، وإذا كان ذلك مُحَالاً في حق إله العالم امتنع إثباتُ الولد.
ولما ذكر هذا البرهان القاطع قال :﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ﴾ أي يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم ﴿حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ يعنى يوم القيامة.
والمقصود منه التهديد، يعني قد ذكرت الحجة على فساد ما ذكروا، فلم يلتفتوا إليها، لأجل استغراقهم في طلب المال والجاة، والرياسة، فاتركهم في ذلك الباطل، واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود.
قوله :" يُلاَقُوا " قراءة العامة من المُلاَقَاةِ.
وابنُ مُحَيْصِن ويروى عن ابن عمرو " يَلْقُوا " من " لَقِِيَ ".
قوله (تعالى) :﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إِلَـاهٌ﴾ " في السماء " متعلق
٢٩٨


الصفحة التالية
Icon