قوله :﴿وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ قرأ العامة يدعون بياء الغيبة، والضمير للموصول.
والسُّلَمِيٌّ وابنُ وَثَّاب بتاء الخطاب.
والأَسْودُ بنُ يَزِيدَ بتشديد الدال، ونقل عنه القراءة مع ذلك بالياء والتاء.
وقوله :﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ فيه قولان : أحدهما : أنه متصل، والمعنى إلا من شَهِدَ بالحَقِّ، كعُزَيْزٍ، والملائكة فإنهم يملكون الشفاعة بتمليك الله إياهم لها وقيل : هو منقطع بمعنى أن هؤلاء لا يشفعون إلا فيمن شهد بالحق أي لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء كذا قدروه.
وهذا التقدير يجوز فيه أن يكون الاستثناءُ متصلاً على حذف المفعول تقديره : ولا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ فِي أَحَدٍ إلاَّ فِيمَنْ شَهِدَ.
فصل ذكر المفسرون قولين في الآية : أحدهما : أن الذي يدعون من دون الملائكة وعيسى، وعزير، لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق.
الثاني : رُوِيَ أن النضْرَ بْنَ الحَارِثِ ونفراً معه قالوا : إن كان ما يقوله محمدٌ حقاً فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من مُحَمَّدٍ، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى لا يقدر هؤلاء أنْ يَشفعوا لأحد.
ثم استثنى فقال : إلاَّ من شهد بالحق أي الملائكة وعِيسَى وعُزير، فإنهم يشفعون.
فعلى الأول : تكون " من " في محل جر، وعلى الثاني تكون " من " في محل رفع.
والمراد بشهادة الحق قول : لا إله إلا الله كلمة التوحيد " وهم يَعْلَمُونَ " بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم.
قوله تعالى :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ...
﴾ الآية ظن قوم أن هذه الآية
٣٠١
وأمثالها في القرآن تدل على أن القوم مضطرونَ إلى الاعتراف بوجود الإله قال الجبائي : وهذا لا يصح لأن قوم فرعون قالوا : لا إله (لهم) غيره.
وقوم إبراهيم قالوا : إنَّ لَفِي شَكِّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إلَيْهِ (مُرِيبٍ).
وأجيب : بأنا لا نسلم أن قوم فرعون كانوا منكرين لوجود الإله، بدليل قوله تعالى :﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾ [النمل : ١٤] وقال موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ﴾ [الإسراء : ١٠٢] على قراءة من فتح التاء من " عَلمتَ " وهذا يدل على أن فرعون كان عارفاً بالله.
وأم اقول وقم إبْراهيم ـ (عليه الصلاة والسلام) ـ :" وَإِنَّا لَفِي شَكِّ مِمَّا تَدْعُونا إلَيْهِ " فيهو مصورف إلى إثبات القيامة، وإثبات التكليف، وإثبات النبوة.
قوله :﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ أي لم يكذبون على الله فيقولون : إنَّ الله أمرنا بعبادة الأصنام ؟ قوله تعالى :﴿وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هَـاؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ قراءة حمزة وعاصم بالجر، والبَاقُونَ بالنصب فأما الجر فعلى وجهين : أحدهما : أنه عطف على " الساعة " أي عنده علم قِيلهِ، أي قول محمد، أو عِيسى والقَوْلُ والقَالُ والقِيلُ بمعنًى واحد.
جاءت المصادر على هذه الأوزان.
والثاني : أن الواو للقسم، والجواب إما محذوف، تقديره : لتُنْصَرُنَّ أو لأَفْعَلَنَّ بهم ما أريد وإما مذكور، وهو قوله : إنَّ هَؤلاَءِ لاَ يؤْمِنُونَ.
ذكره الزمخشري.
وأما قراءة النصب ففيها ثمانية أوجه : أحدها : أنه منصوب على محل " الساعة " كأنه قيل : إنه يعلم الساعةَ ويعلم قِيلهُ كذا.
٣٠٢
الثاني : أنه معطوف على " سرهم ونَجْوَاهم " (أي لا يعلم سِرَّهُمْ) ولا يعلم قيله.
الثالث : عطف على مفعول " يَكْتُبُونَ " المحذوف، أي يكتبون ذلك، ويكتبون قِيلَهُ كذا أيضاً.
الرابع : أنه معطوف على معفول يعلمون المحذوف، أي يعلمون ذَلك (ويعلمون) قيله.
الخامس : أنه مصدر أي قَالَ قِيلهُ.
السادس : أن ينتصب بإضمار فعل، أي اللهُ يعلَمُ قيلَ رَسُولهِ.
وهو محمدٌ ـ ﷺ ـ.
السابع : أن ينتصب على محلّ " بالحَقِّ "، أي شَهِندَ بالحقِّ وبِقيلِه.
الثامن : أن ينتصب على حذف القسم، كقوله :" فَذَاكَ أَمَانَةَ الهِ والثَّرِيدُ ".
وقرأ الأعرج وأبو قِلابة، ومجاهد والحسن، بالرفع، وفيه أوجه : الرفع، عطفاً على " علم الساعة "، بتقدير مضاف، أي وعنده علم قِيلِهِ، ثم حذف، وأقيم هذا مُقَامه.
الثاني : أنه مرفوع بالابتداء، والجملة من قوله :: يَا رَبِّ " إلى آخره هو الخبر.
الثالث : أنه مبتدأ وخبره محذوف، تقديره : وقيلهُ كَيْتَ وكَيْتَ مسموعٌ أو متقبلٌ.
الرابع : أنه مبتدأ أو صلة القسم، كقولهم : أيمُنُ اللهِ، ولَعَمْرُ اللهِ، فيكون خبره
٣٠٣