ويجوز أن يكون " أنى " منصوباً على الظرف بالاستقرار في لَهُم، فإن " لهم " وقع خبراً لذكرى.
قوله :" وَقَدْ جَاءَهُمْ " حال من " لَهُمْ " والمعنى كيف يتعظون أي من أين لهم التذكرة والاتِّعاظُ وقد جاءهم ماهو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة، وهو " رسول مبين " ظاهر الصدق يعني محمداً ـ ﷺ ـ وما ظهر عليه من المعجزات، ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ﴾ أعرضوا عنه، ولم يتلفتوات إليه ﴿وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ﴾ وذلك أن كفار مكة منهم من كان يقول : إن محمداً يتعلم هذه الكلمات من بعض الناس، ولقولهم :﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل : ١٠٣] وقوله :﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان : ٤] ومنهم من كان يقول : إنه مجنون، والجن يلقون عليه هذه الكلمات حال ما يعرض له الغُشْي.
وقرأ زيد بن علي معلم بكسر اللام قوله :" إنا كاشفوا العذاب قليلاً " أي عذاب الجوع :" قليلاً " نعت لزمان، أو المصدر محذوف أي كشفوا قليلاً، أو زماناً قليلاً، يعني يسيراً " إنكم عائدون " أي كما نكشف العذاب عنكم تعودون في الحال إلى ما كنتم عليه من الشرك.
قوله :" يَوْمَ نَبْطِشُ " قيل : هو بدل من " يوم تأتي ".
وقيل : منصوب بإضمار اذكر.
وقيل : بـ " منتقمون ".
وقيل : بما دل عليه :" مُنْتَقِمُونَ " وهو ينتقم.
ورُدَّ هذَان بأن ما بعد " لا " لا يعمل فيما قبلها، ولأنه لا يفسر إلا ما يصحّ أن يعمل.
وقرأ العامة بفتح نون " نَبْطِشُ " وكسر الطاء أي نبطش بهم.
وقرأ الحَسَنُ، ابو جَعْفَر بضم الطاء وهي لغة في مضارع " بَطَشَ ".
والحسن أيضاً، وأبو رجاء وطلحة بضم النون وكسر الطاء.
وهو منقول من " أبطش " أي نُبِطْشُ بِهِمُ المَلاَئكِة والبطشة على هذا يجوز أن تكون منصوبة بنبطِشُ على حذف الزائد : نحو :﴿أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾ [نوح : ١٧] وأن تنتصب
٣١٧
بفعل مقدر أي نبطِشُ بهم الملائكة، فَيَبْطِشُونَ البَطْشَة.
والبطش الأخذ بالشدة وأكثر ما يكون يوقع الضرب المتتابع ثم صار بحيث يشتمل في اتصال الآلام المُتَتَابِعَةِ.
(فصل في المراد بهذا اليوم قولا ن : الأول : أنه يوم بدر، وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وأبي العالية (وذلك) أن كفار مكة لما أزال الله تعالى عنهم القحط والجوع عادوا إلى التكذيب، فانتقم الله منهم يوم بدر.
الثاني : أنهن يوم القيامة.
قال ابن الخطيب : وهذا القول أصح ؛ لأن يوم بدر، لا يبلغ هذا المبلغ الذي يوصف بهذا الوصف العظيم، ولأن الانتقام التام إنما يحصل يوم القيامة، لقوله تعالى :﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [غافر : ١٧].
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣١٤
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ...
لما بين أن كفار مكة يُصِرُّونَ على كفرهم بين أن كثيراً من المتقدمين أيضاً كانوا كذلك، وبين حصول هذه الصفة في أكثر قوم فرعون.
قوله :" وَلَقَدْ فَتَنَّا " بالتشديد على المبالغة، أو التكثير لكثرة متعلّقه.
" وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ " يحتمل الاستئناف والحال.
٣١٨

فصل قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ : ابتلينام.


وقال الزجاج : بلونا والمعنى : عاملناهم معاملة المختبر ببعث الرسول إليهم ﴿وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ أي موسى بن عمران.
قال الكلبي : كريم على ربه بمعنى أنه استحق على ربه أنواعاً كثيرة من الإكرام.
قوله تعالى :﴿أَنْ أَدُّوا ااْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ يجوز أن تكون المفسرة، لتقدم ما هو بمعنى القول، وأن تكون المخففة، ومعناه : وجاءهم بأَنَّ الشأنَ والحَدِيثَ : أَدّوا إِلي عِبَادَ اللهِ، وأن تكون الناصبة للمضارع وهي توصل بالأمر وفي جعلها مخففة إشكال تقدم، وهو أن الخبر في هذا الباب لا يقع طلباً وعلى جعلها مصدرية تكون على حذف حرف الجر، أي جَاءَهُمْ بأَنْ أدَّوا و " عِباد الله " يحتمل أن يكون مفعولاً به وبذلك أنه طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل، بدليل قوله :﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِى إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف : ١٠٥] وأن يكون منادّى، والمفعول محذوف أي أعطوني الطاعة يا عباد الله.
وعلل بأنه رسول أمين قد ائتمنه اله على وحيه ورسالته.
قوله :" وأَن لا تعلوا " عطلف على " أَنِ " الأولى، والمعنى لا تتكبّروا على الله بإهانة وحيه ورسولِهِ ﴿إِنِّى آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ بحجة بينة يعرف بصحتها كُلُّ عاقل.
والعامة على كسر الهمزة من قوله " إنِّي آتِيكُمْ " على الاستئناف.
وقرىء بالفتح على تقدير اللام أي وأَنْ لاَ تَعْلُوا لأنِّي آتيكم.
قوله :﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾ وقوله :" إنِّي عُذْتُ " مستأنف.
وأدْغم الذال في التاء أبو عمرٍو والأَخَوَانِ.
وقد مضى توجيهه في " طه " عند قوله : فَنَبَذْتُهَا ".
فصل قيل : إنه لما قال :﴿وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ﴾ توعدوه بالقتل، فقال : وإني
٣١٩


الصفحة التالية
Icon