عذت بربي وربكم أن ترجمون أي تقتلوني، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن ترجموني بالقول وهم الشتم وتقولوا : هو ساحر.
وقال قتادة :" تَرْجُمُونِي بالحِجَارة ".
وإن لم تؤمنوا لي أي تصدقوني ولم تؤمنوا بالله، لأجل ما آتيتكم به من الحجة، فاللام في " لِي " لام الأجل " فَاعْتَزِلُون " أي اتركوني، لا مَعِي، ولا عَلَيَّ.
وقال ابن عباس (رضي الله عنهما) : فاعْتَزِلُوا أذايَ باليد واللسان.
قوه :" فَدَعَا رَبَّهُ " الفاء في " فدعا " تدل على أنه متصل بمحذوف قبله، وتأويله أنَّهُمْ كفروا ولم يؤمنوا فدعا موسى ربه بأن هؤلاء قَوْمٌ مُجْرِمُونَ.
فإن قيل : الكفر أعظم حالاً من الجرم فما السبب في أن جعل الكفار مجرمنين حال ما أراد المبالغة في ذمهم ؟.
فالجواب : أن الكافر قد يكون عدلاً في دينه (وقد يكون فاسقاً في دينه) والفاسق في دينه أَخسذُ الناس.
قوله :" أَنَّ هَؤلاَءِ " العامة على الفتح، بإضمار حرف الجر، أي دَعَاهُ بأنَّ هؤلاء.
وابن أبي أسحاق وعيسى، والحسن، بالكسر، على إضمار القول عند البصريين وعلى إجراء " دعى " مجرى القول عند الكوفيين.
قوله :" فَأَسْرِ بِعبَادِي " قد تقدم قراءتا الوَصْلِ والقَطْع.
وقال الزمخشري فيه وجهان : إضمار القول بعد الفاء.
أي فقال : أَسْرِ بِعبَادِي، أو جواب شرط مقدر كأنه قال : إن الأمر كما تقول فَأَسْرِ بِعِبَادِي.
قال أبو حيان : كثيراً ما يدعي حذف الشرط، ولا يجوز إلا الدليل واضح كأن يتقدمه الأمر وما أشْبَهَهُ.
فصل يقال : سَرَى، وأَسْرَى لغتان، لما قال موسى : إنَّ هؤلاء قَوْمٌ مُجْرِمُونَ أجاب الله
٣٢٠
تعالى دعاءه وأمره أن يسري فقال :" فَأسْرِ بِعِبَادِي " أي بني إسرائيل ﴿لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ أي يتبعكم فرعون وقومه وذلك بسبب هلاكهم.
قوله :﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً﴾ يجوز أن يكون " رهواً " مفعولاً ثانياً، على أن ترك بمعنى صَيَّر وأن يكون حالاً على أنها ليست بمعناها.
والرهو : قيل : السكون، فالمعنى اتْرُكْهُ سَاكناً، يقال رَهَا، يَرْهُو، رَهْواً، ومنه : جَاءَت الخَيْلُ رَهْواً.
قال النابغة : ٤٤٢٤ـ وَالخَيْلُ تَمْرَحُ رَهْواً فِي أَعِنَّتِهَا
كَالطَّيْرِ يَنْجُو مِنَ الشُؤْبُوبِ ذي البَرَدِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣١٨
وَرَهَا يَرْهُو في سَيْرهِ أي رَفَقَ، قال القطامِيُّ : ٤٤٢٥ـ يَمْشِينَ رَهْواً فَلاَ الأَعْجَازُ خَازِلَةٌ
وَلاَ الصُّدُورُ عَلَى الأَعْجَازِ تَتَّكِلُ
وعن أبي عبيدة : رهواً أي اتركه منفتحاً فُرَجاً على ما تركته.
روي أنه لما انفلق البحر لموسى، وطلع منه خاف أن يتبعه فرعون فأراد أن يضربه ليعود حتى لا يلحقوه، فأمر أن يتركه فرجاً.
وأصله من قولهم : رَهَا الرَّجُلُ يَرْهُو رَهْواً فتح ما بين رجليه (قال مقاتل : اترك البحر رهواً أي راهياً يعني ساكناً.
فأصل الرهو السكون، فسمي بالمصدر أي ذا رهو.
وقال كعب : اترك طريقاً يابساً).
والرَّهْوُ والرَّهوَةُ المكان المرتفع أو المنخفض يجتمع فيه الماء فهو من الأضداد.
والرهوة المرأة الواسعة الهن.
والرهو طائر يقال له الكُرْكِيَّ.
٣٢١
وقد تقدم الكلام في الشعراء على نظير :﴿كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ﴾.
قوله :" وَمَقَامٍ " العامة على فتح الميم، وهو اسم كان القيام.
وابن هُرمُز، وقتادةُ، وابنُ السمقيع ونافع في رواية خارجة : بضمها اسم مكان الإقامة.
والنَّعْمَة ـ بالفتح نَضَارة العَيْشِ ولَذَاذَتُهُ.
(قال الزمخشري : النعمة بالفتح من التَّنعُّم، والنِّعمة بالكسر الإنعام.
وقيل : النَّعمة بالفتح هي المال والزينة كهذه الآية، ومثله :﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي النَّعْمَةِ﴾ [المزمل : ١١].
وقله ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَـذَا لِي﴾ [فصلت : ٥٠] أي مالاً بعد فَقْرٍ ".
والجمهور على جرها.
ونصبها أبو رجاء عطفاً على " كَمْ " أي تركوا كثيراً من كذا، وتركوا نَعْمَةً.
قوله :" فَاكِهِينَ " العامة على الألف أي طيّيبي الأنفُسِ، أو أصحاب فاكهة كَلاَبنٍ وتَامِرٍ وقيل : فاكهين : لاهِينَ.
وقرأ الحسن وأبو رجاء : فَكِهينَ، أي مستخفين مستهزئين بنعمة الله.
قال الجوهري : يقال : فَكِهَ الرَّجُلُ ـ بالكسر ـ فَهُوَ فَكِهٌ، خبراً لمبتدأ مضمرٍ، أي الأمر كذلك.
وإليه نحا الزجاج، ويجوز أن تكون منصوبة المحلّ، فقدرها الحَوْفِيُّ أهْلَكْنَا إهلاكاً، وانتقمنا انتقاماً كذلك.
وقال الكلبي : كذلك أفعَل بمن عصا.
وقيل : تقديره : يَفْعَلُ فِعْلاً كَذَلِكَ.
٣٢٢