سورة الجاثية
مكية وهي سبع وثلاثون آية، وأربعمائة وثمانون كلمة، وألفان ومائة وإحدى وتسعون حرفا.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٣٨
قوله تعالى :﴿حما تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ قد تقدم مثله أول غافرٍ.
وقال أبو عبدالله الرازي : العزيز الحكيم إن كانا صفة لله كانا حقيقة، وإنْ كَانَا صفة للكتاب كانا مجازاً له.
ورد عليه أبو حيان جعله إياهما صفة للكتاب.
قال : إذ لو كان كذلك لوليت الصِّفَةُ موصوفَها فكا يقال : تنزيل الكتاب العزيزِ الحكيمِ مِنَ اللهِ.
قال : لأن " من الله " إن تعلق " بتنزيل " و " تنزيل " خبر لـ " حم " أو لمبتدأ محذوف، لزم الفصل به بين الصفة والموصوف، ولا يجوز، كما لا يجوز : أعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ بٍسَوْط الفَاضِل، أو في موضع الخبر وتنزيل مبتدأ، فلا يجوز الفصل به أيضاً لا يجوز : ضَرْبُ زَيْدٍ شَدِيدٌ الفَاضِلُ.
قوله تعالى :﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ إن كان قوله " حم " قسماً " فتزيل الكتاب " نعت له، وجواب القسم :﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ واعلم أن
٣٣٩
حصول الآيات في السموات والأرض ظاهر دال على وجود الله تعالى، وقدرته مثل مقاديرها وكيفياتها وحركاتها، وأيضاً الشمس والقمر والنجوم والجبال والبحار.
وقد تقدم الكلام في كيفية دلالتها على وجود الإلهة القادر الفاعل المختار.
وقوله :" لآياتِ لِلْمؤمِنِينَ " يقتضي كون هذه مختصةً بالمؤمنين.
وقالت المعتزلة : إنها آيات للمؤمن والكافر، إلا أنه لما انتفع بها المؤمن دون الكافر أضيف كونها آياتٍ للمؤمنين، ونظيره قوله تعالى :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة : ٢] فإنه هُدًى لكلّ الناس، كما قال تعالى :﴿هُدًى لِّلنَّاسِ﴾ [البقرة : ١٨٥] إلاَّ أنهن لما نتفع به المؤمن خاصةً قيلَ : هدى للمتقين.
قوله تعالى :﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ﴾ فيه وجهان : أظهرهما : أن قوله :" وَمَا يَبُثُّ " معطوف على " خَلْقِكُمْ " المجرور بفي والتقدير : وفيمَا يَبُثُّ.
الثاني : أنه معطوف على الضمير المخفوض بالخلق وذلك على مذهب من يرى العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار.
واستقبحه الزمخشري وإن أُكِّدَ، نحو : مَرَرْتُ بِكَ أَنْتَ وَزَيْدٍ يشير بذلك إلى مذهب الجَرْميّ، فإنه يقول : إن أكّدَ جاز، وإِلاَّ فَلاَ.
فقوله مذهب ثالث.
قوله :﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ و ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
وقرأ آيات بالكسر في الموضعين الأخوان والباقون برفعهما ولا خرف في كسر الأولى ؛ لأنها اسم " إن " فأما آيات لقوم يوقنون بالكسر فيجوز فيها وجهان : أحدهما : ِأنها معطوفة على اسم " إن " والخبر قوله :﴿وَفِي خَلْقِكُمْ﴾ كأنه قيل : وإنَّ فِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَات.
٣٤٠
والثاني : أن تكون كررت توكيداً " لآيَات " الأُوْلَى، ويكون " في خلقكم " معطوفاً على " السَّموَات " كرر معه حرف الجر توكيداً.
ونظيره أن تقول : إنَّ في بَيِْتِكَ زَيْداً وفي السّوقِ زَيْداً فزيد الثاني توكيد للأول كأنك قلت : إنَّ زَيْداً زَيْداً فِي بَيْتِكَ وفِي السُّوق.
وليس في هذا عطف على معمولي عاملين البتة وقد وهم أبو البقاء فجعلها من ذلك فقال : آيات لقوم يوقنون بكسر الثانية وفيه وجهان : أحدهما : أن " إن " مضمرة حذفت لدلالة " إن " الأولى عليها، وليست " آيات " معطوفة على آيات الأولى، لما فيه من العطف على معمولي عاملين.
والثاني : أن تكمون كررت للتأكيد، لأنها من لفظ " آيات " الأولى، وإعرابها كإعرابها كقولك : إنَّ بِثَوْبِكَ دَماً وَبِثَوْبِ زَيْدٍ دماً، فَدَم الثاني مكرر، لأنك مستغنٍ عن ذكره انتهى.
فقوله : وليست معطوفة على " آيات " الأولى لما فيه من العطف على معمولي عاملين وهمٌ أين معمول العامل الآخر ؟ وكأنه توهم أن " في " ساقطة من قوله :﴿وَفِي خَلْقِكُمْ﴾ أو اختلطت عليه ﴿آيات لقوم يعقلون﴾ بهذه، لأن تِيكَ فيها ما يوهم العطف على عاملين.
وقد ذكره هو أيضاً.
وأما الرفع فمن وجهين أيضاً : أحدهما : أن يكون " فِي خَلْقِكُمْ " خبراً مقدماً، و " آياتٌ " مبتدأ مؤخراً، وهي جملة معطوفة على جملة مؤكدة بإِن.
والثاني : أن تكون معطوفة على " آيات " الأولى اعتباراً بالمحل عند من يجيز ذلك، لا سيما عند من يقول : إنه يجوز ذلك بعد الخبر بإجماعل.
وأما قوله :﴿وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ فقد تقدم أنَّ الأخوين يقرآن آياتٍ بالكسر وهي تحتاج إلى إيضاح، فإن الناس تكلموا فيها كثيراً وخرّجوها على أوجه مختلفة، وبها استدل على
٣٤١