جواز العطف على عاملين قال شهاب الدين : والعطف على عاملين لا يختص بقراءة الأخوين، بل يجوز أن يستدل عليه أيضاً بقراءة الباقين كما سنقف عليه إنْ شَاءَ الله تعالى فأما قراءة الأخوين ففيها أَوْجهُ : أحدها : أن يكون " اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ " مجروراً بـ " في " مضمرةً، وإنما حذفت لتقدم ذكرها مرتين وحرف الجر إذا دلّ عليه دليل (جاز حذفه وأيضاً عمله وأنشد الإمام الأستاذ سيبويه :) ٤٤٣٣ـ ألآن قَربَّتْ تهْجُونَا وتَشْتُمُنَا
فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٣٩
تقديره : وبالأَيامِ، لتقدم الباء في " بِكَ ".
ولا يجوز عطفه على الكاف لأنه ليس من مذهبه العطف على الضمير المجرور، دون إعادة الجارّ، فالتقدير في هذه الآية :" وَفِي اخْتِلاَفِ آيَاتِ "، فآيات على ما تقدم من الوجهين في آيات قبلها العطف أو التأكيد.
قالوا : ويدلّ على ذلك قراءة عبد الله (وَفِي اخْتِلافِ) تصريحاً بفي.
فهذان وجهان : الثالث : أن يعطف " اخْتِلافِ " على المجرور بفي، وآيات على المنصوب بإن وبهذا هو العطف على عاملين، وتحقيقه على معمولي عاملين، وذلك أنك عطفت " اخْتِلاَفِ " على " خَلْقِ " وهو مجرور بفي فهو معمول عامل، وعطف " آياتِ " على اسم إنّ وهو معمول عامل آخر.
فقد عطفت بحرف واحد وهو الواو معمولين وهما " اخْتِلافِ " و " آياتٍ " على معمولين قبلهما وهما " خلق وآيات ".
٣٤٢
ويظاهرها استدل على من جوّز ذلك كالأخفش.
وفي المسألة أربعة مذاهب، المنع مطلقاً، وهو مذهب سيبويه، وجمهور البصريين، قالوا : لأنه يؤدي إلى إقامة حرف العطف مقام عامليْن وهو لا يجوز ؛ لأنه لو جاز في عاملين لجاز في ثلاثة، ولا قائل به، ولأن حرف العطف ضعيف، فلا يَقْوَى أن ينوب عن عاملين، ولأن القَائِلَ بجواز ذلك يستضعفه والأحسن عنده أن لا يجوز، مفملا ينبغي أن يحمل عليه كتاب الله، ولأنه بمنزلة التَّعْدِيَتَيْنِ بمُعَدِّ واحد، وهو غير جائز.
قال ابن السراج : العطف على عاملين خطأ في القياس غير مسموع من العرب، ثم حمل ما في هذه الآية على التكرار والتأكيد.
قال الرماني : هو كقولك : إنَّ فِي الدَّارِ زَيْداً وَالبَيْتِ زَيْداً، فهو جائز بالإجماع، وهذا الوجه الذي ذكره ابن السراج حَسَنٌ جداً لا يجوز أن يحمل كمتاب الله إلا عليه وقد ثبتت القراءة بالكسر، ولا يعيب فيها في القرآن على وجه.
والعطف على عاملين عيب عند من أجازه ومن لم يجزه فقد تَنَاهى في العقيب فلا يجوز حمل هذه الآية على ما ذكره ابن السراج دون ما ذهب إليه غيره.
قال شهاب الدين : وهذا الحَصْر منْهُ غير مُسَلَّم، فإن في الآية تخريجاتٍ أُخَر على ما ذكره ابنُ السراج، يجوز الحمل عليها.
وقال الزجاج ومثله في الشعر : ٤٤٣٤ـ أَكُلَّ امْرِىءٍ تَحْسَبينَ امْرَءاً
وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ نَارا
٣٤٣
وأنشد الفارسيّ للفرزدق : ٤٤٣٥ـ وبَاشَرُوا رَعْيَها الصَّلا بِلَبَانِهِ
وَجَنْبَيْهِ حَرَّ النَّارِ مَا يتَحَرَّفُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٣٩
وقول الآخر : ٤٤٣٦ـ اَوْصَيْتَ مِنْ بَرَّةً قَلْباً حَرًّا
بِالكَلْبِ خَيْراً وَالحَمَاةِ شَرًّا
فأما البيت الأول فظاهره أنه عطف " وَنَارٍ " على " امرىء " المخفوض " بكل " و " نَاراً " الثانية على " أمْرءاً " الثاني، والتقدير : أتَحْسَبِينَ كُلَّ نَاراً، فقد عطف على معمولي عاملين.
والبيت الثاني : عطف عليه " وجَنْبَيْهِ " على " بِلَبَانِهِ " عطف حرّ النار " على الصَّلا " والتقدير : وبَاشَرَ بجَنْبَيْه حَرَّ النَّارِ.
والبيت الثالث : عطف فيه " الحَمَاةِ " على " الكلبِ " و " شرًّا " على " خيراً " تقديره : وأوْصَيْتَ بالحَمَاةِ شَرًّا.
وسيبويه في جميع ذلك يرى الجر بخافض مقدر، لكنه عورض بأن إعمال حرف الجر مضمراً ضعيفٌ جداً، ألا ترى أنه لا يجوز : مَرَرْتُ زَيْدٍ بخفض " زَيْدٍ " إلاَّ في ضرورة كقوله : ٤٤٣٧ـ إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبِيلَةٍ
أَشَارَتْ كُلَيْبٍ بِالأَكُفِّ الأَصَابِعُ
يريد : إلى كليب، وقول الآخر : ٤٤٣٨ـ......................
تَبَذَّخَ فَارْتَقَى الأَعْلاَمِ
٣٤٤


الصفحة التالية
Icon