أي إلى الأعلام.
فقد فقر من شيء فوقع في أضعف منه، وأجِيب عن ذلك : بأنه لما تقدم ذكر الحرف في اللفظ قويتِ الدّلالة عليه فكأنه ملفوظ به بخلاف ما أردتموه في المِثَال والشِّعر.
والمذهب الثاني : التفضيل، وهو مذهب الأخفش، وذكل أنه يجوز بشرطين : أحدهما : أن يكون أحد العاملين جاراً، والثاني : أن يتصل المعطوف بالعاطف أو يفصل " بلا " ثمال الأول : الآية الكريمة والأبيات المتقدمة، ولذلك استصوب المبرد اشتهاده بالآية ومثال الفصل " بلا " قولك : مَا فِي الدَّارِ زَيْدٌ وَلاَ الحُجْرَةِ عَمْرٌو.
فلو فقد الشرطان، نحو : إنَّ زَيْداً شَتَم بِشْراً، وَوَاللهِ خَالِداً (هِنْداً) أو فقد أحدهما، نحو : إنَّ زيداً ضَرَبَ بَكْراً، وخالداً بِشْراً، فقد نقل ابن مالك، الامتناع عن الجميع.
وفيه نظر، لما سيأتي من الخِلاف.
الثالث : أنه يجوز بشرط أن يكون أحد العاملين جارًّا، وأن يكون متقدماً نحو الآية الكريمة، فلو لم يتقدم نحو : إنَّ زَيْداً في الدارِ وعمرو السوقِ، لم يَجُز، وكذا لو لم يكن حرف جر كما تقدم تمثيله.
الرابع : الجواز مطلقاً، ويُعْزَى للفراء.
الوجه الرابع من أوجه تخريج القراءة المكذورة : أن ينتصب " آيات " على الاختصاص.
قاله الزمخشري، كما سيأتي.
وأما قراءة الرفع ففيها أوجه :
٣٤٥
أحدها : أن يكون الأول.
والثاني : ما تقدم في ﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
الثالث : أن تكون المسألة من باب العطف على عاملين، وذلك أن " اخْتِلاَفِ " عطف على " خَلْقكم " وهو معمول " لفِي " و " آيات " قبلها، وهي معمولة للابتداء فقد عطف على معمول عاملين في هذه القراءة أيضاً.
قال الزمخشري : وقرىء :﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ بالرفع والنصب على قولك : إنَّ زَيْداً فِي الدَّارِ وعمرو في السوق أو عمراً في السُّوق.
قال : وأما قوله :﴿آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فمن العطف على عاملين سواء نصبت أم رفعت، فالعاملان في النصب (إنَّ) و(فِي)، أقيمت الواو مُقَامَهُما فعملت الجر في " اختلاف الليل والنهار " والنصب في " آيات " وإذا رفعت فالعاملان الابتداء و(في) عملت الرفع في " آيات " والجر في " اختلاف ".
ثُمَّ قال في توجيه النصب : والثاني : أن ينتصب على الاختصاص بعد انقضاء المجرور.
والوجه الخامس : أن يرتفع " آياتٌ " على خبر ابتداء مضمر أي هِيَ آياتٌ.
وناقشه أبو حيان فقال : ونسبة الجر والرفع والجر والنصب للواو ليس بصحيح ؛ لأنّ الصحيحَ من المذاهب أن حرف العطف لا يعمل، وأيضاً ناقش أبو شامة فقال : فمنهم من يقول هو على هذه القراءة أيضاً ـ يعني قراءة الرفع ـ عطف على عاملين.
وهما حرف " في " والابتداء المقتضي للرفع.
ومنهم من لا يطلق هذه العبارة في هذه القراءة ؛ لأن الابتداء ليس بعامل لظفي.
٣٤٦
وقرىء : واخْتِلاَفُ ـ بالرفع ـ آيَةٌ ـ بالرفع، والتوحيد ـ على الابتداء والخبر.
وكذلك قرىء : وما يَبُيُّ مِنْ دَابَّةٌ بالتوحيد.
وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وطلحة وعِيسَى : وتصْرِيف الرِّيح كذا قال أبو حيان.
قال شهاب الدين : وقد قرأ بهذه القراءة حمزةُ والكسائيُّ أيضاً.
وقد تقدم ذلك في سورة البقرة.
فصل اختلاف الليل والنهار فيه وجوه : الأول : تبديل النهار بالليل وبالعكس.
الثاني : زيادة طول النهار على طول الليل والعكس.
الثالث : اختلاف مطالع الشمس في أيام السنة.
قوله :﴿وَمَآ أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ﴾ يعني الرزق الذي هو سبب أرزاق العباد ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ وهذا يدل على وجوب القول بوجود الفاعل المختار من وجوه : أحدها : إنشاء السحاب وإنزال المطر فيه.
وثانيها : تولد النبات من تلك الحبة الواقعة في الأرض.
وثالثها : تولد الأنواع المختلفة وهي ساق الشجرة، وأغصانها، وأوراقها، وثمارها، ثم تلك الثمرة منها ما يكون القشر محيطاً باللّب، كالجَوْز، واللَّوز، ومنها ما يكون اللّب محيطاً بالقشر كالمِشْمِش والخوخ، ومنها ما يكون خالياً عن القشر كالتِّين.
فتولد أقسام النبات على كثرة أقسامه وَتَبَايُنِها يدلّ على وجوب القول بوجود الفاعل المختار الحكيم الرحيم.
قوله :﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ هي أقسام كثير منها الشرقية، والغربية والشّمالية، والجنوبية، ومنها الحارّة، والباردة، أياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون.
واعلم أنه تعالى جمع هذه الدلائل في سورة البقرة فقال :{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي
٣٤٧