جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٥٠
قوله تعالى :﴿اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ...
الآية لما ذكر تعالى الاستدلال بكيفية جَرَيَان الفلك على وجه البحر ؛ وذلك لا يحصل إلا بتسخير ثلاثة أشياء : أحدها : الرياح التي توافق المراد.
وثانيها : خلق وجه الماء على المَلاَسَةِ التي تجري عليها الفُلك.
وثالثها : خلق الخشبة على وجه تبقى طافية على وجه الماء ولا تَغْرقُ
٣٥٢
عنه.
وهذه الأحوال لا يقدر عليها أحد من البشر ولا بدّ من موجود قادر عليها وهو الله سبحانه وتعالى.
وقوله ﴿وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ إما بالتجارة وإما الغوص على اللؤلؤ والمرجان، أو لاستخراج اللَّحم الطَّرِيِّ.
قوله تعالى :﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ أي خلقها مسخرة لنا.
أي لنفعنا.
قوله :" جميعاً " حال من ﴿ما في السموات وما في الأرض﴾ أو توكيد.
وقد عدها ابن مالك في أَلْفَاظِهِ و " منه " يجوز أن يتعلق بمحذوف صفة لـ " جميعاً " وأن يتعلق " بسَخَّر " أي هو صادر من جهته ومن عنده.
وجوَّز الزمخشري في " منه " أن يكون خبر ابتداء مضمر، أي هُنَّ جَمِيعاً منه، وأن يكون ﴿وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ مبتدأ و " منه " خبره.
قال أبو حيان : وهَذَانِ لا يجوزان إلاَّ على رأي الأخفش، من حيث إنَّ الحال تقدمت يعني " جَمِيعاً " فقدمت على عاملها المعنوي يَعْنِي الجَار فهي نظير : زَيْدٌ قَائِماً فِي الدَّارِ والعامة على " مِنْهُ ".
وابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ بكسر الميم وتشديد النون ونصب التاء.
جعله مصدراً مِنْ :" مَنَّ يَمُنُّ مِنَّةً " فانتصبا به عنده على المصدر المؤكد، وإما بعامل مضمر، وإما بسخَّر لأنه بمعناه.
قال أبو حاتم : سند هذه القراءة إلى بان عباس مظلم.
قال شهاب الدين : قد رُوِيَتْ أيضاً عن جماعة جلة غير ابن عباس، فنقلها بن خالويه عنه وعن عُبَيْد بْنِ عُمَيْر ونقلها صاحب اللوامح وابن جني عن ابن عباس، وعبد الله بن عمرو والجَحْدَريّ وعبد الله بن عُبَيْد بن عُمَيْر.
وقرأ
٣٥٣
مُسْلِمَةُ بْنُ مَحَارِب كذلك إلا أنه رفع التاء جعلها خَبَر ابْتداءٍ مضمر، أي هي مِنَّةً.
وقرأ أيضاً في رواية أخرى فتح الميم وتشديد النون و " ها " كناية مضمومة جعله مصدراً مضافاً لضمير الله تعالى.
ورفعه من وجهين : أحدهما : بالفاعلية بسَخَّر، أي سَخَّرَ لَكُمْ هَذِهِ الأشياءَ مَنُّهُ عَلَيْكُمْ.
والثاني : أن يكون خبر ابتداء مضمر، أي هُو، أو ذَلِكَ مَنُّهُ عليكم إنَّ في ذَلِكَ ﴿لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
قوله تعالى :﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ﴾ تقدم نظيره في سورة إبراهيمَ، قال ابن عباس : ـ رضي الله عنهما ـ المراد بالَّذِينَ آمنوا عمرُ بنُ الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يَغْفِرُوا لاَ يَرْجَونَ أَيَّامَ اللهِ يعني عَبْدالله بْنَ أُبَيِّ، وذلك أنهم نزلوا في غَزَاةِ بني المصْطَلَق على بئرٍ يقال لها : المريسيع فأرسل عبدالله غلامه ليستقي الماء، فأبطأ عليه، فلما أتاه، قال له : ما حَبَسَك ؟ فقال : غُلام عمر قعد على طَرف البئر، فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قُرَبَ النبي، وقُرَبَ أبي بكر، فقال عبدالله بن أُبَيِّ : مِثْلُنا ومِثْلُ هؤلاء إلا كما قيل : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ، فبلغ ذَلِكَ عُمَر، فاشتمل بسيفه، يريد التوجه (له) فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل : إنَّ رَجُلاًمن بني غِفار شتم عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب ـ (رضي الله عنه) ـ بمكَّةَ، فهم عمر أن يَبْطِشَ به، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأمره بالعفو والتَّجَاوز، وروى مَيْمُونُ بْنُ مهرانَ أَن فِنحاصَ اليهوديَّ لما نزل قوله تعالى :﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [البقرة : ٢٤٥] قال : احتاجَ رَبَّ محمَّد، فمسع ذلك عُمَرُ، فاشتمل على سيفه، وخرج في طلبه فبعث النبي ـ صلى الله عليه سولم إليه فردَّه.
وقال القُرظِيُّ والسُّدِّيُّ : نزلت في ناسٍ من أصحاب رسول الله ـ ﷺ ـ من أهل مكة كانوا في آَذًى كثير من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى رسول الله ـ صلى الله علهي وسلم ـ فأنزل الله هذه الآية ثم نَسَخَتْهَا آيةُ القِتَال.
٣٥٤


الصفحة التالية
Icon