قال ابن الخطيب : وإنما قالوا بالنسخ، لأنه يدخل تحت الغفران أن لا يَقْتلُوا ولا يقاتِلوا فلما أمروا بالمقاتلة كان نسخاً.
والأقرب أن يقال : إنه محمول على ترك المنازعة، وعلى التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية وقوله :﴿لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس : لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه ولا يخشون مثل عذاب الأمم الخالية وتقدير تفسير " أيام الله " عند قوله :﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم : ٥].
قوله :﴿لِيَجْزِيَ قَوْماً﴾ قرأ ابن عامر والأَخَوَانِ : لنَجْزِي بنون العظمة، أي لنَجْزي نَحْنُ.
وباقي السبعة ليَجْزِي بالياء من تحت مبنياً للفاعل ؛ أي ليجزي اللهُ.
وأبو جعفر ـ بخلاف عنه وشبيةُ وعَاصمٌ ـ في رواية ـ كذلك إلا أنه مبني للمفعول هذا مع نصب " قوماً ".
وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه : أحدها : ضمير المفعول الثاني، عاد الضمير عليه لدلالة السِّياق تقديره : ليجزي هو أي الخير قوماً والمفعول الثاني من باب أعطى، بقوم مقام الفاعل بلا خلافٍ، ونظيرهن : الدِّرْهَمَ أُعْطِيَ زَيْداً.
الثاني : أن القائم مقامه ضمير المصدر المدلول عليه بالفعل، أي ليُجْزَى الجَزَاءَ.
وفيه نظر لأنه لا يترك المفعول به، ويقام المصدر، لا سيما مع عدم التصريح به.
الثالث : أن القائم مقامه الجار والمجرور، وفيه حجة للأخفش والكوفيين حيث يجيزون نيابة غير المفعول به مع وجوده وأنشدوا : ٤٤٤١ـ.........................
لَسُبَّ بِذَلِكَ الجِرْوِ الكِلاَبَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٥٢
٣٥٥
و :
٤٤٤٢ـ لَمْ يُعْنَ بالْعَلْيَاءِ إلاَّ سَيِّدَا
والبصريون لا يُجِيزُونَه.

فصل المعنى لكي نجازي بالمغفرة قوماً يعملون الخير.


فإن قيل : ما الفائدة من تنكير " قَوْماً " مع أن المراد بهم المؤمنون المذكورون في قوله :﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ﴾ ؟ فالجواب : أن التنكير بدل على تعظيم شأنهم، كأنه قيل : ليجزِي قَوْماً وأَيّ قوم قوماً من شأنهم الصَّفْحُ عن السّيئات، والتجاوز عن المؤذيات، وتجرع المكروه، كأنه قيل : لا تكافئوهم أنتم حتى نُكَافِئَهُمْ نحن.
ثم ذكر الحكم العام فقال :﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ وهو مثل ضربه الله للذين يغفرون ﴿وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾ مثل ضربه الله للكفار الذين كانوا يؤذون الرسول والمؤمنين ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٥٢
٣٥٥
و :
٤٤٤٢ـ لَمْ يُعْنَ بالْعَلْيَاءِ إلاَّ سَيِّدَا
والبصريون لا يُجِيزُونَه.

فصل المعنى لكي نجازي بالمغفرة قوماً يعملون الخير.


فإن قيل : ما الفائدة من تنكير " قَوْماً " مع أن المراد بهم المؤمنون المذكورون في قوله :﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ﴾ ؟ فالجواب : أن التنكير بدل على تعظيم شأنهم، كأنه قيل : ليجزِي قَوْماً وأَيّ قوم قوماً من شأنهم الصَّفْحُ عن السّيئات، والتجاوز عن المؤذيات، وتجرع المكروه، كأنه قيل : لا تكافئوهم أنتم حتى نُكَافِئَهُمْ نحن.
ثم ذكر الحكم العام فقال :﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ وهو مثل ضربه الله للذين يغفرون ﴿وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا﴾ مثل ضربه الله للكفار الذين كانوا يؤذون الرسول والمؤمنين ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٥٢
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِى إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾ يعني التوراة ﴿وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ والمراد بهذه الآية أنه تعالى بين أنه أنعم بنعم كثيرة على نبي إسرائيل مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبي البغي والحسد، والمقصود منه أن يبين أن طريقة قومِهِ كطريقة مَنْ تَقَدَّم.
واعلم أن المراد بالكتاب التوراة أما الحكم، فقيل : المراد به العِلْم والحُكْمُ.
وقيل : المراد العلم بفصل الحكومات.
وقيل : معرفة أحكام الله وهو علم الفقه.
وأما
٣٥٦


الصفحة التالية
Icon