النبوة فمعلومة ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ الحَلاَلاَت، يعني المَنَّ والسَّلْوا ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمينَ﴾.
قال المفسرون : على عالَمِي زمانهم، قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ لم يكن أحد من العالمين أكرم على الله ولا أحبَّ إليه منهم.
ثم قال :﴿وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ﴾ قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ يعني العلم بمَبْعَثِ محمد ـ ﷺ ـ وما بين لهم ممن أمره وأنه يهاجر من تِهامةَ إلى يثربَ، ويكون أنصاره من أهل يثربَ.
وقيل : المراد بالبيِّنات المعجزات القاهرة على صحة نبوتهم والمراد معجزات موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
ثم قال تعالى :﴿فَمَا اخْتَلَفُوا ااْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ وتقدم تفسير هذا في سورة " حم عسق ".
والمراد من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة ؛ لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف، وههُنَا صار مجيء العلم سبباً لحصول الاختلاف ؛ وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم، وإنما مقصودهم طلب الرِّيَاسَةِ والتَّقَدُّم، فيجوز أنه علموا ثم عاندوا.
ويجوز أن يريد بالعلم الإدلة التي توصل إلى العلم، والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحقَّ، لكنه اختلفوا وأظهروا النزاع على وجه الحسد، ثم قال :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ والمعنى أنه لا ينبغي أن يغتر المُبْطِل بِنعَم الدنيا، فإنها وإن ساوت نِعَمَ الملحقّ أو زادت عليها، فإنه سيرى في الآخرة ما يسوؤه وذلك كالزجر لهم.
ولما بين تعالى أنهم أعرضوا عن الحق بغياً وحسداً، أمَرَ رسوله بأن يَعْدِلَ عن تلك الطريقة، وأن يتمسَّك بالحقّ وأن لا يكون له غَرَض سوى إظهار الحق فقال :﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ﴾ أي جعلناك يا محمد على سنة وطريقة بعد موسى " مِنَ الأَمْر " من الدِّين ﴿فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ يعني مراد الكافرين وأديانهم الخبيثة.
قال الكلبي : إن رؤساءَ قريشٍ قالوا للنبي ـ ﷺ ـ وهو بمكة ارجع إلى دين آبائك فهم كانوا أفْضَلَ منْك وأسَنّ، فأَنْزَل الله تَعَالَى هذه الآية.
قوله :" عَلَى شَرِيعةٍ " هو المفعول الثاني لحَعَلْنَاك والشريعة في الأصل ما يرده الناس من الماء في الأنهار، ويقال لذلك الموضع شريعة، والجمع شرائع قال : ٤٤٤٣ـ وَفِي الشَّرَائِع مِنْ جَيْلاَن مُقْتَنَصٌ
رَثٌّ الثِّيابِ خَفِيُّ الشَّخْصِ مُنْسَرِبُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٥٦
٣٥٧
فاستعير ذلك للدين، لأن العباد يردون ما يحيى به نفوسهم.
قوله :﴿إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً﴾ أي اتبعت أهواءهم ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ والمعنى إنك لو ملت أديانهم الباطلة لصرت مستحقاً للعذاب وهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك، وإنَّ الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا وأما في الآخرة، فلا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثوب، وإزالة العقاب، وأما المتقون المهتدون فالله وليهم وناصرهم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٥٦
قوله تعالى :﴿هَـذَا بَصَائِرُ﴾ أي هذا القرآن، جمع خَبَرُهُ باعتبار ما فيه.
وقرىء :" هَذِه " رجوعاً إلى الآيات ولأن القرآن بمعناها كقوله : ٤٤٤٤ـ.......................
سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ ؟
لأنه بمعنى الصيحة، والمعنى بصائر للناس، أي معالم للناس في الحُدُودِ والأحكام يبصرون بها.
وتقدم تفسيره في سورة الأعراف ﴿وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ هدىة من الضلالة، ورحمة من العذاب لمن اتقى وآمن.
٣٥٨


الصفحة التالية
Icon