قوله :" أَمْ حَسِبَ " أم منقطعة فتقدر ببل والهمزة أو ببل وحدها، أو بالهمزة وَحْدَاها وتقدم تحقيق هذا.
قوله :" كَالَّذِينَ آمَنُوا " هنو المفعول الثاني للجَعْل، أي أن نَجْعَلَهُمْ كائنين كالذين آمنوا أي لا يحسبون ذلك.
وَقَدْ تقدم في سورة الحج أنَّ الأخَوَيْنِ وحفصاً قرأوا هنا : سَوَاءً بالنصب والباقون بالرفع.
وتقدم الوعد عليه بالكلام هنا فنقول : أما قراءة النصب ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : أن ينتصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهما :" كَالَّذِينَ آمَنُوا " ويكون المفعول الثاني للجعل " كالذين آمنوا " أي أحسبواأنْ نَجْعَلَهُم مثلهم في حال استواء مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتِهِمْ ؟ ليس الأمر كذلك.
الثاني : أن يكون " سواءً " هو المفعول للجَعْل.
و " كَالَّذِينَ " في محل نصب على الحال، أي أن نجعلهم حال كونهم مِثْلَهم سواءً.
وليس معناه بذاك.
الثالث : أن يكون " سواه " مفعولاً ثانياً " لحسب ".
وهذا الوجه نحا إليه أبو البقاء.
قال شهاب الدين : وأظنه غلطاً ؛ لما سيظهر لك، فإنه قال : ويقرأ بالنصب وفيه وجهان : أحدهما : هو حال من الضمير في " الكاف " أي نجعلهم مثل المؤمنين في هذه الحال.
الثاني : أن يكون مفعولاً ثانياً لحسب والكاف حال، وقد دخل استواء محياهم ومماتهم في الحِسْبان وعلى هذا الوجه ﴿مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ﴾ مرفوعان (بسواء} لأنه قد قَوِيَ باعتماده انتهى.
فقد صرح بأنه مفعول ثاني للحسبان، وهذا لا يصح ألبتّة، لأن " حسب " وأخواتها إذا وقع بعدها " أَنَّ : المشددة و " أَنْ " المخففة أو الناصبة سَدَّت مسدَّ المفعولين، وهنا قد
٣٥٩
وقع بعد الحسبان " أَنْ " الناصبة، فهي سادّة مسدَّ المفعولين فمِنْ أين يكون " سواءًَ " مفعولاً ثانياً لحسب ؟ ! فإن قلت : هذا الذي قلته رأي الجمهور، سيبويه وغيره، وأما غيرهم كالأخفش فيدَّعي أنها تسد مسدّ واحدٍ.
وإذا تقرر هذا فقد يجوز أن أبا البقاء ذهب المذهب فأَعْرَبَ " أنْ نَجْعَلَهُمْ " مفعولاً أول (لـ " حَسِبَ " ) و " سَوَاءً " مفعولاً ثانياً.
فالجواب : أن الأخفش صرح بأن المفعول الثاني حينئذ يكون محذوفاً، ولئن سلمنا أنه لا يحذف امتنع من وجه آخر وهو أنه قد رفع به (مُحياهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) لأنه بمعنى مستو كما تقدم، ولا ضمير يرجع من مرفوعه إلى المفعول الأول بل رفع أجنبيًّا من المعفول لأول وهو نظير : حَسِبْتُ قِيَامَكَ مُسْتَوِياً ذهابك وعدمه.
ومن قرأ بالرفع فيحتمل قراءته وجهين : أحدهما : أن يكون " سواء " خبراً مقدماً، و " مَحْيَاهُم " مبتدأ مؤخراً، ويكون " سواء " مبتدأ و " محياهم " خبره كذا أعربوه.
وفيه نظر تقدم في سورة الحج، وهو أنه نكرة لا مسوغ فيها وأنه متى اجتمع معرفة ونكرة جعلت النكرة خبراً لا مبتدأ.
ثم في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
٣٦٠
أحدها : أنها استئنافية.
والثاني : أنها تبدل من الكاف الواقعة مفعولاً ثانياً.
قال الزمخشري : لأن الجملة تقع مفعولاً ثانياً فكانت في حكم المفرد، ألا تراك لو قلت : أن نجعلهم سواءً محياهم ومماتهم كان سديداً، كما تقول : ظَنَنْتُ زَيْداً أبوه مُنْطَلِق.
قال أبو حيان : وهذا ـ أعني إبدال الجملة من المفرد ـ أجازه ابن جني وابن مالك ومنعه ابن العِلْجِ، ثم ذكر عنه كلاماً كثيراً في تقريره ذلك.
ثم قال :" والذي يظهر أنه لا يجوز ـ يعني ما جوزه الزمخشري ـ قال : لأنها بمعنى التَّصْيِير، ولا يجوز : صَيَّرْتُ زيداً أبو قائمٌ ؛ لأن التصيير انتقال من ذات إلى ذات أو من وصف في الذات إلى وصفٍ فيها، وتلك الجملة الواقعة بعد مفعول صيرت المقدرة مفعولاً ثانياً ليس فيها انتقال مما ذكر فلا يجوز.
قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : بل فيها انتقال من وصف في الذات إلى وصف فيها، لأن النحاة نصوا على جواز وقوع الحمل صفة وحالاً، نحو : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أبُوهُ قائِمٌ، وجاء زيد أبو قائمٌ، فالذي حكموا عليه بالوصفية والحالية يجوز أن يقع في حيِّز التصيير ؛ إذ لا فرق بين صفة وصفة من هذه الحيثية.
الثالث : أن تكون الجملة حالاً (و) التقدير : أم حسب الكفار أن نصيرهم مثل المؤمنين في حال استواء مَحْيَاهُمْ وَمَماتِهِم ؟ ! ليسوا كذلك بل هم مقترفون.
وهذا هو الظاهر عند أبي حيان وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة داخلة في حيِّز الحسبان، وإلى ذلك نحا ابن عطية فإنه قال : مقتضى هذا الكلام أن لفظ الآية خبر، ويظهر أن
٣٦١