قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ جاثية مجتمعة مرتقبة لما يعمل بها.
قال الزمخشري وقرىء : جاذية ـ بالذال المعجمة ـ قال : والجَذْوُ أشد من الجَثْوِ، لأن الجَاذِي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه، وهو أشد استيفازاً من الجاثِي.
قوله :" كُلُّ أمة " العامة على الرفع بالابتداء، و " تُدْعَى " خبرها.
ويعقوب بالنصب على البدل من " كُلَّ أمَّة " الأولى، بدل نكرة موصوفة من مثلها.
قوله : إلَى كِتَابِهَا " أي إلى صحائف أعمالها، فاكتفي باسم الجنس كقوله تعالى بعد ذلك :﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾.
قال سلمان الفارسي : إن في القيامة ساعةً هي عشرُ سنين، يَخِرُّ الناس فيها جثاةً على ركبهم، حتى إبراهيم ينادي ربه لا أملك إلا نفسي.
قوله :" الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ " هذه الجملة معمولة لقول مضمر، التقدير : يقال لهم اليومَ تُجَزونَ و " الْيَوْمَ " معمول لما بعده و " مَا كنْتُمْ " هو المفعول الثاني.
فإن قيل : الجثْو على الركب إنما يليق بالخائف، والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة! فالجواب : أن الجاثي الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة (إلى) أن يظهر كونه محقاً.
٣٧٠
فإن قيل : كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى ؟ فالجواب : لا منافاة بين الأمرين، لأنه كتابهم، بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم، وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه.
قوله :﴿يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ﴾ أي يشهد عليكم بأعمالكم من غير زيادة ولا نقصان.
وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ.
و " ينطق " يجوز أن يكون حالاً، وأن يكون خبراً ثايناً، وأن يكون " كتابنا " بدلاً و " ينطق " خبر وحده و " بالحق " حال.
قوله :﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي نأمر الملائكة بنسخه أعمالكم أي بكتبها وإثباتها عليكم وقيل : نستنسخ أي نأخذ نسخة، وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان فيثبت الله منه ما كان إلا ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو، نحو قولهم : هلُم، واذهب، فالاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم.
والاستنساخ لا يكون إلا من أصل كما ينسخ كتابٌ من كِتَاب.
وقال الضحاك : نستنسخ أي نُثْبِتُ.
وقال السدي : نكتب.
وقال الحسن : نَحْفَظُ.
ثم بين أحوال المطيعين فقال :﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ فوصفهم بالعمل الصالح بعد وصفهم بالإيمان يدل على أن العمل الصالح مغاير للإيمان زائد عليه.
فصل قالت المعتزلة : علّق الدخول في رحمة الله على كونه آتياً بالإيمان والعمل الصالح والمعلق على مجموع أمرين يكون عدماً عندم عندم أحدهما، فعند عدم الأعمال الصالحة يجب أن لا يحصل الفوز بالجنة! وأُجِيبَ : بأن تعليق الحكم على الوصف لا يدل على عدم الحكم عند عدم الوصف.
فصل سمى الثواب رحمة، والرحمة إنما يصح تسميتها بهذا الاسم إذا لم (تكن) واجبةً، فوجب أن لا يكون الثوابُ واجباً على الله تعالى.
قوله :﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ااْ أَفَلَمْ تَكُنْ﴾ هذا على إضمار القول أيضاً، وقدر الزمخشري
٣٧١
على عادته جملة بين الهمزة والفاء أي ألَمْ تأتكم رسلي فَلَمْ تكن آياتي ؟ فصل ذكر الله المؤمنين والكافرين ولم يذكر قِسماً ثالثاً، وهذا يدل على أن مذهب المعتزلة في إثبات منزلة بين المنزلتين باطل، وفي الآية دليل على أن استحقاق العقوبة، لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع وعلى أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع خلافاً للمعتزلة في قولهم : إنَّ بعض الواجبات قد تجب بالعقل.
قوله :﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ العامة على كسر الهمزة لأ، ها محكيَّةٌ بالقول، والأعْرَجُ وعمرو بن فائدٍ بفتحها.
وذلك مُخَرَّجُ على لغة سُلَيْمٍ يُجْرون القولم مُجْرَى الظَّنِّ مطلقاً ومنه قوله : ٤٤٤٧ـ إذَا قُلْتُ أَنِّي آيِبٌ أهْلَ بَلْدَةِ
...........................
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٦٩
قوله :" وَالسَّاعة : قرأ حمزة بنصبها عطفاً على " وَعْدَ اللهِ " الباقون برفعها، وفيه ثلاثة أوجه : الأول : الابتداء، ما بعدها من الجملة المنفية خبرها.
الثاني : العطف على محل إنّ واسمها معاً، لأن بعضهم كالفارسيِّ والزمخشري يَرَوْنَ أن لـ " إنّ " واسْمِها موضعاً وهو الرفع بالابتداء.
٣٧٢