تعالى جعله نبياً من أول عمره إلا أنه يجب أن يقال : الأغلب أن ما جاء(ه) الوحي إلا بعد الأربعين وهكذا كان الأمر في حق نبينا ـ ﷺ ـ.
قوله :" أَوْزِعْنِي " قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ معناه أَلْهِمْنِي.
قال الجوهري : أَوْزَعْتُهُ أَغْرَبْتُهُ به، فَأُوزعَ بِه فَهو مُوزعٌ به أي مُغْرّى به، واسْتَوْزَعْتُ اللهَ فَأَوْزَعَنِي أي اسْتَلْهَمْتُهُ فأَلْهَمَنِي.
قوله :" وأَن أعمل صالحاً ترضاه " قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أجاب الله ـ عزَّ وجَلَّ ـ دعاء أبي بكر، فأعتق تعسةً من المؤمنين يُعَذَّبُونَ في الله، منهم بلالٌ، وعامرُ بنُ فُهَيْرة، فلم يرد شيئاً من الخير إلا أعانه الله عليه.
ودعا أيضاً فقال :" فَأَصْلِح لِي فِي ذُرِّيَّتِي " فأجاب الله تعالى فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعاً.
فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعاً.
فأدرك أبو قحافة النَّبِيَّ ـ ﷺ ـ وابنه أبو بكر، وابنه عبدالرحمن بن أبي بكر، وابن عبدالرحمن أبو عتيق، كلهم أدركوا النبي ـ ﷺ ـ ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة.
قوله :﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِى ﴾ أصلح يتعدى بنفسه لقوله :﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ [الأنبياء : ٩٠] وإنَّمَا تعدى بـ " في " لتضمنه معنى : الطف بي في ذريتي أو لأنه جعل الذرية طرفاً للاصلاح كقوله :
٤٤٥٢ـ يَخْرُجُ فِي عَرَاقِيها نُصَلِّي
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٩٢
والمعنى هب لي الصلاح في ذريتي، وأوقعه فيهم.
قوله :﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ والمراد أن الدعاء لا يصح إلا مع التوبة، ومع كونه من المسلمين.
قوله :﴿أولئك الذين نتقبل عنهم﴾ قرأ الأَخَوانِ وحَفْصٌ : نَتَقَبَّلُ بفتح النون مبنياً للفاعل ونصب " أحسن " على المفعول به، وكذلك " نتَجَاوَزُ " والباقون للمفعول،
٣٩٦
ورفع " أحْسَن : لقيامه مقام الفاعل، ومكان النون ياء مضمومة في الفعلين.
الحَسَنُ والأَعْمَشُ وعِيسَى بالياء من تحت، والفاعل الله تعالى.
(فصل) ومعنى أولئك أي أهل هذا القول الذي تقدَّم ذكره، فمن يدعو بهذا الدعاء نتقبل عنهم، والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله.
وقوله :﴿أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ﴾ يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا وكلها حسن.
فإن قيل : كيف قال :﴿أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ﴾ والله يَتَقبَّل الأحْسَنَ وَمَا دُونَه ؟ ! فالجواب من وجهين : الأول : المراد بالأحسن الحسن، كقوله تعالى :﴿وَاتَّبِعُوا ااْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [الزمر : ٥٥] وكقولهم : النَّاقِصُ والأشجُّ أعدلا بني مروان أي عادلاً بني مروان.
الثاني : أنّ الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب، ولا عقاب، والأحسن ما يغاير ذلك وهو المندوب أو الواجب.
وقوله :﴿وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ﴾ فلا يعاقبهم عليها.
قوله :﴿في أصحاب الجنة﴾ فيه أوجه : أظهرها : أنه في محل أي كائنين في جملة أصحاب الجنة كقولك :" أَكْرَمَنِي الأَميرُ في أصحابِهِ " أي في جُمْلَتِهِم.
والثاني : أن " في " معناها " مَعَ ".
الثالث : أنها خبر ابتداء مضمر أي هُمْ في أصحاب الجنَّة.
قوله :﴿وَعْدَ الصِّدْقِ﴾ مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأن قوله :﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ﴾ في معنى الوعد، فيكون قوله :" نَتَقَبَّلُ وَنَتَجَاوَزُ " وعداً من الله بالتقبل والتجاوز والمعنى (أنه) يعامل من صفته ما قدمناه بهذا الجزاء، وذلك وعد من الله، فبين أنه صدق لا شك فيه.
٣٩٧
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٩٢


الصفحة التالية
Icon