وقد تقدم أن أوديةً جمع وادٍ، وأن أفْعِلَةً وردت جمعاً لفاعل في ألفاظ كَوَادٍ وأدْوِيَةٍ ونَادٍ وأنْدِيَةٍ، وحَائِزٍ وأَحْوِزَةٍ.
فصل قال المفسرون : كانت عاد قد حبس عنهم المطر أيماً فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من وادٍ لهم يقال له : المغيث، فلما رأوها استبشروا وقالوا : هذا عارض ممطرنا فقال الله تعالى :﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ﴾ من العذاب.
ثم بين ماهيته فقال :﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ثم وصف تلك الريح فقال :﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ أي تهلك كل شيء من الحيوان والناس بأم ربها.
ومعناه أن هذا ليس من باب تأثيراتٍ الكواكب والقِرانَات بل هو أمر حدث ابتداءً بقدرة الله تعالى لأجل تَعْذِبكم.
قوله :﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ﴾ قرىء :" ما اسْتُعْجلْتُمْ " مبنياً للمفعول.
وقوله :" ريحٌ " يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي هُوَ رِيحٌ، ويجوز أن يكون بدلاً من " هِيَ " و " فِيهَا عَذَابٌ " صفة لـ " رِيحٍ " وكذلك " تُدَمّر ".
وقرىء : يَدْمُر كل شيء، بالياء من تحت مفتوحة، وسكون الدال، وضمّ الميم بالرفع على الفاعلية، أي تهلك كل شيء.
وزيد بن علي كذلك إلا أنه بالتاء من فوق ونصب كل والفاعل ضمير الريح ؛ وعلى هذا فيكون (دَمَرَ) الثلاثي لازماً ومتعدياً.
٤٠٧
قوله :﴿فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ﴾ قرأ حمزة وعاصم لا يُرَى بضشم الياء من تحت مبْنيًّا للمفعول " مَسَاكِنُهُمْ " بالرفع لقيامه مقام الفاعل، والباقون من السبعة فتح تاء الخطاب مَسَاكِنَهُمْ بالنَّصب مفعولاً به.
والجَحْدَرِيُّ والأعمشُ وابنُ أبي إسحاق والسُّلَمِيّ وأبو رجاء بضم التاء من فوق مبنياً للمفعول مَسَاكِنُهُمْ بالرفع لقيامه مقام الفاعل، إلا أن هذا عند الجمهور لا يجوز، أعني إذا كان الفاصل " إلا " فإنه يمتنع لحاق علامة التأنيث (في الفعل) إلاَّ في ضرورة كقوله ـ(رَحِمَهُ اللهُ) ـ : ٤٤٥٧ـ كَأَنَّهُ جَمَلٌ وَهُمٌ وَمَا بَقِيَتْ
إلاَّ النُّحَيْزَةُ وَالأَلْوَاحُ والْعُصُبُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٠٤
وعيسى الهمداني : لا يُرَى بالياء من تحت مبنياً للمفعول مَسْكَنُهُمْ بالتوحيد.
ونصرُ بنُ عاصم بتاء الخطاب مَسْكَنَهُمْ بالتوحيد أيضاً منصوباً.
واجْتُزِىءَ بالوَاحِدِ عَن الْجَمْعِ.
فصل روي أن الريح كانت تحمل الفُسْطَاطَ فَترْفَعُهَا في الجوِّ، وتحمل الظَّعِينَةَ حتى تُرَى كأنها جَرادَةٌ وقيل : إن أوّل من أبصر العذاب امرأة بينهم قالت :(رَأَيْتُ) ريحاً فيها كشُهب النار.
وروي أن أول ما عرفوا به أنه عذاب أليم أنهم رأوا ما كان في الصحراء من
٤٠٨
رجالهم ومواشيهم تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب، وصَرَعَتْهُمْ وأمال الله تعالى عليهم الأَحْقَافَ فكانوا تحتها سبعَ ليالٍ وثمانيةَ أيَّام، لَهُمْ أنينٌ، ثم أمر الله الريح فكشف عنه الرِّمال واحتملهم، فرَمَتْ بهم في البحر.
وروي أن هوداً لما أحسَّ بالريح خط على نفسه على المؤمنين خطًّا إلى جنب عين تنبعُ، وكانت الريح التي تصيبيهم ريحاً طَيِّبةً هادية، وا لريح التي تُصيبُ قوم عاد ترفعهم من الأرض وتطير بهم إلى السماء، وتضربهم على الأرض، وأثر المعجزةِ إنما ظهر في تلك الريح من هذا الوجه.
قال ـ عليه الصلاة والسلام، " مَا أَمَرَ اللهُ خَازِنَ الرِّيَاحِ أنْ يُرْسِلَ عَلَى عَادٍ إلاَّ مِثْلَ مِقْدَارِ الخَاتَم " وذَلِكَ القَدْرُ أهْلَكَهُمْ بكُلِّيَّتِهِمْ وذلك إظهارُ قدرة الله تعالى.
" وعن النبي ـ ﷺ ـ أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال :" اللَّهم إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها وشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ به " قال تعالى :﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾ والمقصود به تخويف كفار مكة فإن قيل : لما قال (تعالى) :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال : ٣٣] فكيف يحصل التخويف ؟ فالجواب : أن ذلك قبل نزول الآية.
قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ ما موصولة، أو موصوفة.
وفي " إنْ " ثلاثة أوجه : أحدها : شرطية، وجوابها محذوف والجملة الشرطية صلة ما، والتقدير : في الَّذي إنْ مَكَّنَّاكُمْ فيه طَغَيْتُمْ.
والثاني : أنها مزيدة تشبيهاً للموصولة بما النافية والتوقيتية، وهو كقوله : ٤٤٥٨ـ يُرَجِّي الْمَرْء مَا إنْ لاَ يَرَاهُ
وَتَعْرِضُ دُونَ أَدْنَاهُ الخُطُوبُ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٠٤
٤٠٩