عباس ـ أيضاً ـ آفَكَهُمْ ـ بالمد ـ فعلا ماضياً أيضاً.
وهو يحتمل أن يكون بزنة فَاعَل، فالهمزة أصلية، وأن يكون بزنة أَفْعَلَ فالهمزة زائدة والثانية بدل من همزة.
وإذا قلنا : إنه أفعل، فهمزته يحتمل أنت تكون للتعدية، وأن تكون أفعل بمعنى المُجَرّد ـ وابن عباس ـ أيضاً آفكُهُمْ بالمد وكسر الفاء، ورفع الكاف جعله اسم فاعل بمعنى صارفهم.
وقرى أَفَكُهُمْ ـ بفتحتين ـ ورفع الكاف على أنه مصدر ـ لأفِكَ أيضاً ـ فيكون له ثلاثة مصادر الإفك و الأَفك بفتح الهمزة وكسرها مع سكون الفاء وفتح الهمزة والفاء، وزاد أبو البقاء أنه قرىء : آفَكُهُمْ ـ بالمد وفتح الفاء، ورفع الكاف ـ قال : بمعنى أَكْذَبُهُمْ.
فجعله أفعل تفضيل.
قوله :﴿وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ يجوز أن تكون ما مصدرية، وهو الأحسن، ليعطف على مثله، وأن تكون بمعنى الذي، والعائد محذوف أي يَفْتَرُونَهُ ـ والمصدر من قوله :" إفكهم " يجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل بمعنى كُذِبُهُمْ، وإلى المفعول بمعنى صَرْفُهُمْ.
والمعنى : وذلك إفكهم أي كذبهم الذي كانوا يقولون : إنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم ﴿وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ يكذبونَ أنَّها آلِهَةٌ.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٠٤
قوله تعالى :﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ...
الآية لما بين أن في الإنس مَنْ آمَنَ، ومنهم من كفر، بين أيضاً أن في الجن من آمن ومنهم من كفر، وأن مؤمنهم مُعَرّض للثواب، وأن كافرهم معرض للعقاب.
قوله :﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ﴾ منصوب باذْكُرْ مقدراً.
وقرىء : صَرفنا بالشديد للتكثير " مِنْ الْجِنِّ " صفلة لـ " نَفَراً " ويجوز أن يتعلق بـ " صَرْفَنا " و " مِنْ " لابتداء الغاية.
قوله :" يسمعون " صفة أيضاً لنفراً، أو حال، لتخصصه بالصفة إن قلنا : إن " مِنَ الْجِنِّ " صفة له وراعى معنى النفر فأعاد ليه الضمير جمعاً، ولو راعى لفظه فقال : يستمع لجاز.
قوله :﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ﴾ يجوز أن تكون الهاء للقرآن وهو الظاهر، وأن تكون للرسول ـ ﷺ وحينئذ يكون في الكلام التفات من قوله :" إلَيْكَ " إلى الغيبة في قوله " حَضَرُوهُ ".
قوله :﴿فَلَمَّا قُضِيَ﴾ العامة على بنائه للمفعول، أي فرغ من قراءة القرآن وهو يؤيد عود " هاء " حضروه على القرآن.
وأبو مِجْلزٍ وحبيب بن عبد الله قَضَى مبنياً للفاعل، أي أتم الرسول قراءته وهي تؤيد عودها على الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
فصل ذكروا في كيفية هذه الواقعة قولين : الأول : قال سعيد بن جبير : كانت الجن تَسْتَمع، فلما رجموا قالوا : هذا الذي حدث في السماء إما حدث لشيء في الأرض ؟ فذهبوا يطلبون السّبب.
وكان قد اتفق أن النبي ـ ﷺ ـ لما أَيِسَ من أهله مكة أن يُجِيبُوه خرج إلى الطائف، ليَدْعُوَهُمْ إلى الإسلام فلما انصرف إلى مكة وكان ببطن مكة نخلة قام يقرأ القرآن، فمر به نفرٌ من أشراف (جِنِّ) نَصِيبِينَ، كان إبليس بعثهم ليعرف السبب الذي أوجب حراسة السماء بالرجم فسمعوا القرآن، فعرفوا أن ذلك هو السبب.
والقول الثاني : أن الله أمر رسوله أن يُنْذِرَ الجنَّ ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ
٤١٤
عليهم القرآن فصرف إليه نفراً من الجن ليَسْتَمِعُوا منه القرآن، ويُنْذِرُوا قومهم (انتهى).
فصل نقل القاضي في تفسيره أن الجنَّ كانوا يهوداً ؛ لأن في الجن مِلَلاً كما في الإنس من اليهود والنَّصارَى والمجوس وعبدة الأوثان، وأطبق المحقِّقون على أن الجنة مكلفون.
سئل أبن عباس : هل للجن ثواب ؟ قال : نعم : لهم ثواب وعليهم عقاب يلتقون في أبواب الجنة ويزدَحِمُونَ على أبوابها.
فصل قال الزمخشري : النَّفَرُ دون العَشَرَةِ ويجمع على " أَنْفَارٍ " روى الطبري عن ابن عباس أن أولئك الجنَّ كانوا سبعة نفر من أهل نصِيبِين، فجعلهم رسول الله ـ ﷺ ـ رسلاً إلى قومهم.
وعن زِرِّ بن حبيش كانوا تسعة، أحدهم زوبعة.
وعن قتادة : ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نِينَوَى.
واختلفت الروايات في أنه هل كان عبدالله بن مسعود مع النبي ـ ﷺ ـ ليلة الجن ؟ فصل روى القاضي في تفسيره عن أنس قال : كنت مع النبي ـ ﷺ ـ وهو بظاهر المدينة إذْ أَقْبَلَ شيخ يَتَوَّكأ علىعُكَّازِهِ فقال النبي ـ ﷺ ـ أنها لمشية جنِّيِّ، ـ ثم أتَى فسلم على النبي ـ ﷺ ـ فقال النبي ـ ﷺ ـ إنها لنغمةُ جِنِّيّ، مفاق الشيخ : أَجَلْ يا رسول الله فقال له النبي ـ ﷺ ـ من أَيِّ الجن أنت ؟ قال يار سول الله : أنا هَامُ بن هِيم بن لاقيس بن إبليس فقال له النبي ـ ﷺ ـ : لا أدري بينك ونبين إبليس إلا أبوين قال : أجل يا رسول الله.
قال كم أتى عليك مِنَ العُمر.
قال : أكلت عُمر الدنيا إلا القليل كنت حين قَتَلَ قابيلُ هابيلَ غلاماً ابن أعوام فكنت أَتَشَوفُ على الآكام، وأصْدَادُ الهَامَ وأُوْرِشُ بين


الصفحة التالية
Icon