بالرفع لقيامه مقام الفاعل.
وقرىء : تَضِلَّ بفتح التاء أَعْمَالُهُمْ بالرفع فاعلاً.
والفاء في قوله :" فَلَنْ يُضِلّ " جَزَائية ؛ لأن قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ قُتِلُواْ﴾ فيه معنى الشرط.
قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أُحُدٍ، وقد فَشَتْ في المسلمين الجِرَاحَاتُ والقَتْلُ.
قوله :﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور وفي الآخرة إلى الدرجات ﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ برضى خصمائهم وتقبل أعمالهم.
وقد تقدم تفسيره في قوله تعالى :﴿وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾ والماضي والمستقبل راجحٌ إلى أن هناك وعدهم ما وعدهم بسبب الإيمان، والعمل الصالح، وكان قد وقع منهم فأخبر عن الجزاء أيضاً بصيغة الوقوع.
وههنا وعدهم بسببه القتل والقتال وكان في اللفظ ما يدل على الاستقبال، لأن قوله ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ﴾ يدل على الاستقبال فقال :﴿بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ﴾.
قوله :﴿عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ يجوز فيها وجهان : أحدهما : أن تكون مستأنفة.
والثاني : أن تكون حالاً.
فيجوز أن تضمر " قد "، وأن لا تضمر، و " عَرَّفَهَا " من التعرف الذي هو ضد الجَهْل والمعنى أن كل أحد يعرف منزله في الجنة.
وقيل : الملك الموكل بأعماله يهديه.
وعن ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ أنه من العَرْفِ وهو الطيب أي طيِّبهَا لهم.
وقال الزمخشري : يحتمل أن يقال : عرَّفَهَا لهم من عرَّفَ الدَّارَ وأَوْرَثَها أي حددها، وتحديدها في قوله تعالى :﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ [آل عمران : ١٣٣]، ويحتمل أن يقال : المراد هو قوله تعالى لهم :﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا﴾ [الزخرف : ٧٢] فيشير إليه معرفاً لهم بأها هي تلك.
وقيل : عرفها لهم وقت القتل، فإن الشهيد وقت وفاته يُعْرَضُ عليه منزلة في الجنة فيشتاقُ إليه.
وقرأ أبو عمرو ـ في رواية ـ ويِّدْخِلْهُمْ ـ بسكون اللام وكذا ميم ويُطْعِمُهُمْ وعين ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ [النساء : ٨٧] كان
٤٣٤
يستثقل الحركات.
وقد تقدم له قراءة بذلك في ﴿يُشْعِرُكُمْ﴾ [الأنعام : ١٠٩] و ﴿يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد : ٧] وبابه.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٢٧
قوله :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ أي إن تنصروا دينَه وتَنْصُروا رَسُولَهُ يَنْصُرْكُمْ على عدوكم.
وقيل : إنْ تنصُرُوا حِزْبَ اللهِ وفَرِيقَهُ.
قوله :﴿وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ قرأ العامة ويثبت مشدداً.
وروي عن عاصم تخفيفه من أثْبَتَ.
والمعنى : ويُثَّبِّتْ أقْدَامَكُمْ عند القتال.
قوله :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ يجوز أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف تقديره : فَتَعِسُوا وأُتْعِسُوا، بدليل قوله :﴿فَتَعْساً لَّهُمْ﴾ وقوله :" فتعساً " منصوب بالخبر.
ودخلت الفاء تشبيهاً للمبتدأ بالشرط.
وقدر الزمخشري الفعل الناصب لـ " تعساً " فقال : لأن المعنى يقال تعساً أي فقَضَى تَعْساً لَهُمْ.
قال أبو حيان : وإضمار ما هو من لفظِ المصدر أولى.
والثاني : أنه منصوب بفعل مقدر يفسره " فَتَعْساً لَهُمْ "، كما تقول : زَيْدٌ جَدَعاً لَهُ.
كذا قال أبو حيان تابعاً للزمخشري.
وهذا لا يجوز لأن " لهم " لا يتعلق بـ " تَعْساً "، إنما هو متعلق بمحذوف لأنه بيان أي أعني عنهم.
وتقدم تحقيق هذا.
فإن عيَّنا إضماراً من حيثُ مُطْلَقُ الدَّلالة لا من جهة الاشتغال فمُسَلَّم، ولكن تأباه عبارتُهُما وهي قولهما : منصوب بفعل مضمر يفسره " فعساً لهم ".
و " أَضَلَّ : عاطف على ذلك الفعل المقدر أي أتْعَسَهُمْ وأَضَلَّ أعمالهم والتَّعْسُ ضدّ السَّعْدِ، يقال : تَعَسَ الرَّجُل ـ بالفتح ـ تَعْساً، وأَتْعَسَهُ اللهُ، قال مُجَمَّعٌ :
٤٣٥
٤٤٦٥ـ تَقُولُ وَقَدْ أَفردْتُهَا عَنْ خَليلِهَا
تَعَسْتَ كَمَا أَتْعَسْتَنِي يَا مُجَمَّعُ
وقيل : تعس ـ بالكسر ـ عن إبي الهَيْثَم وشَمِرٍ وغيرهما.
وعن أبي عبيدة : تَعسهُ واتْعَسَهُ مُتَعَدِّيَانِ، فهُما مَّما اتُّفِقَ فِيهِما فَعَلَ وأَفْعَلَ.
وقيل : التعس ضد الانتعاش، قال الزمخشري ـ (رحمه الله تعالى) : وتعساً له نقيض لَعَا لَهُ يعني أن كلمة " لَعَا " بمعنى انْتَعَشَ قال الأعشى : ٤٤٦٦ـ بِذَاتِ لَوْث عَفْرَنَاةٍ إذَا عَثَرَتْ
فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لعَا
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٣٥
وقيل : التعْسُ الهَلاَك.
وقيل التعس الجَرُّ على الوجه، والنّكْسُ الجر على الرأس.
فصل قال ابن عباس : صَمْتاً لهم، أي بُعْداً لهم.
وقال أبو العالية : سُقْطاً لهم.
وقال ابن زيد : شقاءً لهم وقال الفراء : هو نصب على المصدر على سبيل الدعاء.
وقيل : في الدنيا العَثْرَةُ، وفي الآخرة التَّردَّي في النار.
ويقال للعاثر : تَعْساً إذا لم يريدوا قيامه
٤٣٦