(قوله تعالى) :﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ﴾ ﴿ا مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ يعني هؤلاء الذين تخلفواعن الحديبية ﴿إِذَا انطَلَقْتُمْ﴾ سرتم وذهبتم أيها المؤمنون ﴿ا مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا﴾ يعني مغانم خيبر ﴿ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ﴾ إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها، وذلك أنهم لما انطلقوا انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خير، وجعل عنائمهنا لمن شهد الحديبية خاصة عوضاً من غنائم مكة إذا انصرفوا من الحديبية (منهم على صلح) ولم يصيبوا منهم شيئاً، (لأن قوله :﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ﴾ وعد للمبايعين بالغنيمة وللمخلفين الحالفين بالحرمان).
قوله : يُرِيدُ(ونَ) يجوزو أن يكون مستأنفاً وأن يكون حالاً من " المخلفون " وأن يكون حالاً من مفعلو " ذَرُونَا ".
قوله :﴿كَلاَمَ اللَّهِ﴾ قرأ الأخوان كَلِمَ جمع كلمة والبقاون كَلاَم قيل معناه : يريدون أن يغيروا تواعد الله تعالى لأهل الحديبية، بغنيمة خيبر خاصة وقال مقاتل : يعني أمر الله لنبيه ـ ﷺ ـ أن لا يسيِّر معه منهم أحداً.
وقال ابن زيد : هو أن النبي ـ ﷺ ـ لما تخلف القوم أطعله الله على ظنهم وأظهر له نفاقهم وقال للنبي ـ ﷺ ـ ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً﴾ [التوبة : ٨٣].
والأولى أصوب وعليه أكثر المفسرين.
قوله :﴿قُل لَّن تَتَّبِعُونَا﴾ إلى خيبر ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ﴾ أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب.
قوله :﴿بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ قرأ أبو حيوة تَحْسِدُونَنَا بكسر السين " بَلْ " للإضْراب
٤٩١
والمضروب عنه محذوف في الموضعين عنه محذوف الموضعين أما ههنا فتقديره ما قال الله كذلك من قبل بل تحسدوننا أي يمنعكم الحد من أن نصيب منكم العنائم ﴿بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ منهم وهم من صدق الله وروسله.
(فإن قيل : بماذا كان الحسد في اعتقادهم ؟ قلنا : كأنهم قالوا : نحن (كنا) مصيبين في عدم الخروج (حيث) رَجَعُوا من الحديبية من غير عدو حاصل، ونحن اسْتَرَحْنَا فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبوا معنا.
ثم قال الله تعالى رداً عليهم كما ردوا عليه :﴿بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لم يفقهوا من قولك : لا تخرجوا إلا ظاهر النهي، فلم يفهموا حكمة إلاَّ قليلاً فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد..
).
قوله تعالى :﴿قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ﴾ لما قال للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهم لن تتبعونا، ولن تخرجوا معي أبداً كان المخلفون جمعاً كثيراً من قبائل متشعبة دعت الحاجة إلى بيان قبول توبتهم، فإنهم لم يبقوا على ذلك، ولم يكونوا من الذين مَرَدُوا على النفاق بل منهم من حسن حاله فجعل لقبول توتبهم علامة (وهو أنهم يدعون إلى قوم أولي بأس شديد، ويطيعون بخلاف حال ثَعْلَبَةَ، حيث امتنع من أداء الزكاة، ثم أتى بها ولم يقبل منه النبي ـ ﷺ ـ واستمر عليه الحال، ولم يقبل منه أحد من الصحابة كذلك كان يستمر حال هؤلاء لولا أن الله تعالى بين أنهم يدعون : فإن أطاعوا أعطوا الأجر الحسن.
والفرق بين حال هؤلاء وبين حال ثعلبة من وجهين : أحدهما : أن ثعلبة يجوز أن يقال حاله لم يكن يتغير في علم الله فلم يبين لتوبته علامة) وحل الأعراب تغيرت، فإن بعد النبي ـ ﷺ ـ لم يبق من المنافقين على النفقا أحدٌ.
الثاني : أن الحاجة إلى بيان حال الجمع الكثير، والْجَمِّ الغفير، أمسّ ؛ لأنه لولا البيان لأفضى الأمر إلى قيام الفتنة بين فِرَق الْمُسْلِمِينَ.
٤٩٢
( " فصل " قال ابن عباس ومجاهد : المراد بقوله ﴿قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ﴾ : هم أصحاب فارس.
وقال كعب : الروم وقال الحسن : فارس والروم.
وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف.
وقال قتادة : هوازن وغطفان قوم حنين.
وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب.
وقال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم.
وقال أبو هريرة : لم تأت هذه الآية بعد).
قوله :﴿أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ العامة على رفعه بإثبات النون عطفاً على " تُقَاتِلُونَهُمْ " أو على الاستئناف أي أو هُمْ يُسْلِمُونَ.
وقرأ أبيّ وزيدُ بن عليٍّ بحذف النون نصباً بحذفها.
والنصب بإضمار " أن " عند جمهور البصريين، وبـ " أو " نفسها عند الجَرْمي والكِسَائيِّ، ويكون قد عطف مصدراً مؤولاً على مصدر متوهم كأنه قيل : يكون قتالٌ أو إسلامٌ.
ومثله في النصب قول امرىء القيس : ٤٤٩١ـ فَقُلْتُ لَهُ لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا
نُحَاوِلُ مُلْكاً أَوْ نَمُوتَ فَنُعْذَرَا


الصفحة التالية
Icon