قال : فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.
(ومعنى أكليكم بالسيف كيل السندرة أي أقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً.
والسَّندرة مكيال واسع.
قيل يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة وهي شجرة يعمل منها النَّبْل، والقِسِيُّ، والسَّنْدرة أيضاً العجلة، والنون زائدة.
قال ابن الأثير : وذكرها الجَوْهَرِيُّ في هذا الباب ولم ينبه على زيادتها).
وروي فتح خيبر من طرق أُخَر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض.
قوله :" وأخرى " يجوز فيها أوجه : أحدها : أن تكون مرفوعة بالابتداء و ﴿لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا﴾ صفتها و ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ خبرها.
الثاني : أن الخبر " منهم " محذوف مقدر قبلها، أي وَثَمَّ أخرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا.
الثالث : أن تكون منصوبة بفعل مضمر على شريطة التفسير، فتقدر بالفعل من معنى المتأخر وهو ﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ أي وقَضَى اللهُ أُخَْرَى.
(الرابع : أن تكمون منصوبة بفعل مضمر لا على شريطة التفسير، بل لِدَلاَلة السِّياقِ، أي ووَعَدَ أُخْرَى، أو وآتاكُمْ أخرى.
الخامس : أن تكون مجرورة بـ " رُبَّ " مقدرة، ويكون الواو واو " رب " ذكره
٤٩٨
الزمخشري.
وفي المجرور بعد الواو المذكورة خلاف مشهور أهنو برُبَّ مضمرة أم بنفس الواو ؟ إلا أبا حيان قال : ولم تأت " رُبَّ " جارة في القرآن على كَثْرة دورها، يعني جارة لفظاً وإلا تقدر.
قيل : إنها جارة تقديراً هنا وفي قوله :﴿رُّبَمَا﴾ [الحجر : ٢] على قولنا : إنّ ما نكرة موصوفةٌ).
قوله :﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ يجوز أن يكون خبراً لـ " أُخْرَى " كما تقدم، أو صفة ثانية إذَا قِيلَ بأن أخرى مبتدأ وخبرها مضمر أو حالاً أيضاَ.
فصل قال المفسرون : معناه أي وعدكم فتح بلدة أخرى لم تقِدروا عليها قد أحاط الله بها حتى يفتحها لكم كأنه حفظها لكم، ومنعها من غيركم حتى تأخذوها.
قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ علم الله أنه يفتحها لكم.
قال ابن الخطيب : تقديره : وعدكم الله مغانم تأخذونها، ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين.
وهذا تفسير الفراء.
قال : معنى قوله :﴿قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا﴾ أي حفظها لمؤمنيني، لا يجري عليها هلاك وفناء إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحُرَّاسِ بالخَزَائِنِ.
٤٩٩
واختلفوا فيها فقال ابنُ عباس والحسن ومقاتل : هي فارس والرومُ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم، بل كانوا حولاً لهم حتى قدروا عليها الإسلام.
وقال الضَّحَّاكُ وابنُ زيد : هي خيبر وعدها الله ـ عزّ وجلّ ـ نبيه ـ ﷺ ـ قبل أن يصيبها ولم يكونوا برجونها.
وقال قتادة : هي مكَّة.
وقال عِكْرِمَةُ : حُنَيْن.
وقال مجاهد : وما فَتَحُوا حتى اليوم، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾.
قوله تعالى :﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُواْ﴾ يعني أسداسً وغَطفانَ وأَهْلَ خَيْبَرَ ﴿لَوَلَّوُاْ الأَدْبَارَ﴾، قال ابن الخطيب : وهذا يصلح جواباً لمن يقول : كَفّ الأيدي عنهم كان أمراً اتفاقياً، ولو اجتمع عليهم العرب كما زعموا لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها، فقال : ليس كذلك بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون والغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمراً اتفاقياً، بل هو أمر إلهيٌّ محكوم به محتوم.
وثم قال ﴿لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾.
قوله :﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ مصدر مؤكد لمضمون الجملة المقدمة، أي سَنَّ اللهُ ذَلك سنةً.
قال ابن الخطيب : وهذا جواب عن سؤال آخر يقوله قومٌ من الجُهَّال وهو : إن الطَّوَالِعَ والتأثيرات والاتِّصالاتِ تأثيراتٌ وتغييرات فقال : ليس كذلك، بل سنة الله نصرة رسوله، وإهلاك عدوه، والمعنى : هذه سنة الله في نصرة أوليائه، وقهر أعدائه ﴿تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٤٩٥
قوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ وهذا تبيين لما تقدم من قوله :﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الأَدْبَارَ﴾ [الفتح : ٢٢]
٥٠٠