قومه فقال رسول الله ـ ﷺ ـ لثابت بن قيس بن شِمَاس، وكان خطيب النبي ـ ﷺ ـ : قُمْ فَأَجِبْهُ فأجَابَهُ.
وقام شاعرهم فذكر أبياتاً فقال رسول الله ـ ﷺ ـ لحسَّان بن ثاتب : أجبهُ فأجابهُ، فقام الأقرع بن حابس فقا : إن محمداً المؤتَى له، تكلم خطيبنا، فكان خطبيهم أحسنَ قولاً، وتكلم شاعرُنا فكان شاعرُهم أشعرَ وأحسنَ قولاً، ثم مدنا من النبي ـ ﷺ ـ فقال : أشه أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله ـ ﷺ ـ : ما يضرك ما كان من قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله ـ ﷺ ـ ما أعطاهم فأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللّغَلظُ عند رسول الله ـ ﷺ ـ فنزل فيهم :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوا ااْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ...
﴾ [الحجرات : ٢] الآيات الأربع إلى قوله :﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
وقال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى النبي ـ ﷺ ـ فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يكن نبياً فنحن أسعد الناس به، وإن يكُنْ ملكاً نعيش في جَنَاحِهِ فجاءوا فجعلوا ينادون من وراء الحجرات : يا محمدُ يا محمد، فأنزل الله :﴿إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ...
﴾ الآية.
فصل في قوله :" أكثرهم " وجوه : أحدها : أن العرب تذكر الأكثر وتريد الكل، احترازاً عن الكذب واحتيادطاً في الكلام، لأن الكل مما لا يحيط به علم الإنسان في بعض الأشياء فيقول الأكثر وفي اعتقاده الكل، ثم إن الله تعالى مَعَ إحاطة علمه بالأمور أتى بما يناسب كلامهم، وفيه إشارة لطِيفةٍ وهي أن الله تعالى يقول : أنَا مع إحاحة علمي بكل شيء جربت على عادتكم استحساناً لتلك العادة، وهي الاحتراز عن الكذب، فلا تتركوها واجعلوا اختياري ذلك في كلامي دليلا ً قاطعاً على رضائي بذلك منكم.
الثاني : أن يكون المراد أنهم في أكثر أحوالهم لا يعقلون، وذلك أن الإنسان إذا اعتبر مع وصف ثم اعتبر مع وصف آخر يكون المجموع الأول غير المجموع الثاني، مثاله : إذا كان الإنسان جاهلاً أو فقيراً فيصير عالماً أو غنياً فيقال في العُرْف : زَيْدٌ لَيْسَ هُوَ الذي رَأَيْتُ مِنْ قَبْلُ بل الآن على أحسن حال فيجعله كأنه ليس ذلك إشارة إلى ذكرنا.
إذا علم هذا فهم بعض الأحوال إذا اعتبرتهم مع تلك الحالة مغايرون لأنفسهم
٥٢٩
إذا اعتبرتهم مع غيرها.
فقوله تعالى :﴿أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ إشارة إلى ما ذكرنا.
الثالث : لعل فيهم من رجع عن ذلك الأمر، ومنهم من استمر على تلك العادة الرّديئة فقال : أكثرهم إخراجاً لمن ندم منهم عنهم.
قوله :﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ﴾ تقدم مثله.
وجعله الزمخشري فاعلاً بفعل مقدر أي ولو ثبت صَبْرُهُم.
وجعل اسم أن ضميراً عائداً على هذا الفاعل.
وقد تقدم أن مذهب سِيبَويْهِ أنها في محل رفع بالابتداء وحنيئذ يكمون اسم " أَنَّ " ضميراً عائداً على صَبْرهم المفهوم من الفعل.
قوله :﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يحتمل أمرين : أحدهما : غفور لسوء صنعهم في التعجيل.
وثانيهما : لحسن الصبر يعني بسبب إتيانهم بما هو خير يغفر الله لهم سيئاتهم.
ويحتمل أن يكون ذلك حثّ النبي ـ ﷺ ـ على الصلح.
وقوله :﴿أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ كالصبر لهم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٢٧
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ااْ﴾ قال المفسرون : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أخو عثمان لأمه بعثه رسول الله ـ ﷺ ـ إلى بني المصطلق بعد الموقعة والياً ومصدقاً، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فلما سمع به القوم تَلقَّوْه تعظيماً لأمر رسول الله ـ ﷺ ـ فحثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله ـ ﷺ ـ وقال : إنهم منعوا صدقاتهم وأراد قتلي، فغضب رسول الله ـ ﷺ ـ وهمَّ أن يَغْزُوَهُمْ فبلغ القومَ رجوعُه فأتوا رسول الله ـ ﷺ ـ فقالوا : يا رسول الله : سَمِعْنَا برسُولك فخرجنا نلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى فأبطأ في الرجوع فخشينا أنه إنما ردّه من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.
فاتَّهمُهمْ رسول الله ـ ﷺ ـ وبعث خالدَ بنَ الوليد
٥٣٠