ويجوز أن ينتصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة، لأنها فضل إيضاً، إلا أنَّ ابن عطية جعله من المصدر المؤكد لنفسه.
وجوز الحَوْفِيُّ أن ينتصب على الحال وليس بظاهر ويكون التقدير متفضلاً منعماً أو ذا فضل ونعمة قال ابن الخطيب : ويجوز أن يكون فضلاً مفعولاً به والفعل مضمراً دل عليه قوله تعالى :﴿أُوْلَـائِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ وهم يبتغون فضلاً من الله ونعمة، قال : لأن قوله : فضلاً من الله إشارة إلى ما هو من جانب الله المغني.
والنعمة إشارة إلى ما هو من جانب العبد من اندفاع الحاجة.
وهذا يؤكد قولنا : أن ينتصب " فضلاً " بفعل مضمر وهو الابتغاء والطَّلَبُ.
ثم قال :﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ وفيه مناسبات : منها : أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق قال : فلا يعتمد على تَرْوِيجِهِ عليكم الزُّورَ فإن الله عليم، ولا يقل كقوله المنافق :" لَوْلاَ يَعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ " فإن الله حكيم لا يفعل إلا على وَفْق حكمته.
وثانيها : لما قال تعالى :﴿وَاعْلَمُوا ااْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ بمعنى لا يطيعكم بل يتبع الوحي " فإن الله عليم " يعلم من يكذبه " حكيمٌ " بأمره بما تقتضيه الحكمة.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٣٠
قوله تعالى :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ...
الآية.
لما حذر المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق أشار إلى ما يلزم استدراكاً لما يفوت فقال : فإن اتفق أنكم تبنون على قوله من يوقع بينكم من الأمر المُفْضِي إلى اقتتال طائتفين من المؤمنين ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي﴾ أي الظالم يجب عليكم دفعه ثم إن الظالم إن كانو عو الرعية فالواجب على الأمير دفعهم وإن كان هو الأمير فالواجب على المسلمين دفعه بالنصيحة فما فوقها وشرطه أن لا يُثيرَ فتنة مثل التي في اقتتال الطائفتين أو أشد منهما.
فصل الضمير في قوله :" اقْتَتَلُوا " عائد أفراد الطائفتين كقوله (تعالى) :﴿هَـاذَانِ
٥٣٧
خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ﴾
[الحج : ١٩] والضمير في قوله :" بينهما " عائد على اللفظ.
وقرأ ابن أبي عبلة : اقْتَتَلَتَا مراعياً للَّفْظِ.
وزيد بن علي وعُبَيْدُ بْنُ عَمْرو اقتَتَلا أيضاً إلا أنه ذكر الفعل باعتبار الفريقين، أو لأنه تأنيث مجازي.
فصل روى أنس ـ (رضي الله عنه) ـ قال : قيل للنبي ـ ﷺ ـ : لَوْ أتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبيّ (ابْنِ سَلُول) فانطلق إليه رسول الله ـ صلى الله عليه سولم وركب حماراً (وانطلق المسلمون يمشون معه) وهو بأرض سَبِخَةٍ، فلما أتاه النبي ـ ﷺ ـ فقال : إِلَيْكَ عَنِّي وَالله لَقَدْ نَتَنُ حِمَارِكَ فقال رجل من الأنصار منهم : واللهِ لَحِمَارُ رسولِ الله ـ ﷺ ـ أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه فَتَشَاتَمَا فعضب لكل واحد منهم أصحابهُ، فكان بينهم ضربٌ بالجريد والأيدي والنِّعال فنزلت :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾ فقرأها رسول الله ـ ﷺ ـ فاصطلحوا وكف بعضهم عن بعض.
وقال قتادة : نزل في رجلين من الأنصار كان بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما للآخر : لآخُذَنَّ حقِّي منك عَنْوةً لكثرة عشيرته وإن الآخر دعاء ليُحَاكِمَهُ إلى النبي ـ ﷺ ـ فأبى أن يتبعه فلم يزل الأمر بينهما حتى تدافعوا وتناول بعضم بعضاً بالأيدي والنعال و(وإننْ) لم يكن قتال بالسيوف.
وقال سفيان عن السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أم زيد تحت رجل وكان بينها وبين زوجها شيء فرقي بها إلى عُلِّيّة وحبسها فبلغ ذلك قومها فجاءوا وجاء قومه فاقْتَتَلُوا بالأيْدي والنِّعال فأنزل الله ـ عزّ وجلّ ـ :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾ أي بالدعاء إلى حكم كتاب الله والرِّضا بما فيه لهُمَا وَعَليهِمَا.
فصل قوله :" وَإنْ طَائِفَتَانِ (من المؤمنين) ِإشارة إلى نُدْرَةُ وقُوع الاقتتال بين طوئف المسلمين.
فإن قيل : نحن نرى أكثر الاقتتال في طوائفهم ؟ فالجواب : أن قوله تعالى :﴿إنْ﴾ إشارة إلى أنه لا ينبغي أن لا يقع إلا نادراً،
٥٣٨


الصفحة التالية
Icon