دون همز ؛ وحينئذ فتح الياء لأنها صارت حرف الإعراب.
فصل المعنى حتى تفيء إلى أمر الله في كتابه وهذا إشارة إلى أن القتال جزاء الباغي كحدِّ الشرب الذي يُقَامُ وإن ترك الشرب بل القتال إلى حدّ الفيئة، فإن فاءت الفئةُ الباغيةُ حَرُم قتالهُم.
وهذا يدل على جواز قتال الصَّائِل، لأن القتال لما كان للفيئة فإذا حصلت لم يوجد المعنى الذي لأجله القتال.
وفيه دليل أيضاً على أن المؤمن لا يخرج عن الإيمان بفعل الكبيرة ؛ لأن الباغي من أحدى الطَّائِفَتَيْنِ وسماهما مؤمنين.
قوله :" فَإِنْ فَاءَاتْ " أي رَجَعَتْ إلى الحَقِّ.
فإن قيل : قد تقدم أن " إنْ " تدل على كون الشرط غير متوقع الوقوع وقلتم بأن البغي من المؤمن نادرٌ فإذن تكون الفئةُ متوقعةً فيكف قال :" فَإنْ فَاءَتْ " ؟ فالجواب : هذا كقول القائل لعبده : ن مُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ، مع أن الموت لا بدّ من وقوعه لكن لما كان وقوعه بحيث لا يكون العبد مَحَلاًّ للعِتْق بأن يكون باقياً في ملكه حياً يعيش بعد وفاته غير معلوم.
فكذلك ههنا لما كان المتوقَّع فيئتهم من تلقاء أنفسهم لما لم يقع دل على تأكيد الأمْر بينهم فقال تعالى :﴿فَإنْ فَاءتْ﴾ أي بعد اشتداد الأمر والتحام القتال فَأَصْلِحُوا، وفيه إشارة إلى أنَّ من لم يَخفِ الله وبغى يكون رجوعه بعيداً.
قوله :﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ بحملهما على الإنصاف والرضا بحكم الله " وَأَقْسِطُوا " اعِدْلُوا ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾.
فإن قيل : لم قال ههنا :﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ ولم يذكر العدل في قوله :﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾ ؟ فالجواب : أن الإصلاح هناك بإزالة الاقتتال نفسه وذلك يكون بالنصيحة وبالتهديد والزجر والتعذيب والإصلاح ههنا بإزالة آثار الاقتتال بعد ارتفاعه من ضمان المتلفات وهو حكم فقال :" بالْعَدْلِ " فكأنه قال : فاحكموا بينهما بعد تركهما القتال بالحق وأَصْلِحُوا بالْعَدْلش فيما يكون بينهما لئلا يؤدي إلى ثَوَرَان الفتنة بينهما مرة أخرى.
فإن قيل : لما قال : فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بالعدل فأيةُ فائدة في قوله : وَأَقْسِطُوا ؟ فالجواب : أنّ قوله :" فَأَصْلحُوا بَيْنَهُمَا " كأن فيه تخصيصاً بحال الاقتتال فعمَّ
٥٤١
الأمر بالعدل وقال : وأقصدوا أي في (كل) أمر فإنه مفض إلى أشرف درجة وأرفع منزلة وهي محبة الله، والإقساط أزالة وهو الجَوْر والقَاسِطِّ هو الجَائِرُ.
قوله :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ أي في الدين، والولاية.
وقال بعض أهل اللغة : الإخوة جمع الأَخ، من النَّسب والإخْوَانُ جمع الأخ من الصَّداقة، والله تعالى قال :﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ تأكيداً للأمْر وإشارة إلى أن مابين الإخووة من الإسلام والنسب لهم كالأب.
قال قائلهم ـ (رحمةُ الله عليه)ـ : ٤٥٠٢ـ أَبي الإسْلاَمُ لاَ أَبَ لِي سِوَاهُ
إذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَو تَمِيمِ
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٣٧
قوله :" بَيْنَ أَخَويكُمْ " العامة على التثنية.
وزيد بن ثابت وعبدُ الله وحمَّادُ بنُ سلمة وابنُ سيرين : إخْوَانِكُمْ جمعاً على فِعْلاَن.
وقد تقدم أن الإخْوان تغلب في الصداقة والإخوة في النسب، وقد تعكس كهذه الآية.
وروي عن أبي عمرو وجماعة : إخْوَتِكُمْ بالتاء من فَوْقِ.
وقد رُوِيَ عن ابن عمرو أيضاً القراءات الثَلاَثُ.
فصل المعنى : فاتقوا الله ولا تَعْصُوا ولا تُخَالفوا أمره " لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ " المُسْلِمُ أَخُوا الْمُسْلِم لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَشْتُمُه مَنْ كَانَ فِي حَاجَة أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بَها كُرْبَةً مِنْ كُرَب يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ".
فإن قيل : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل : اتَّقُوا وقال هَهُننَا اتَّقوا مع أنَّ ذلك أهم ؟ فالجواب : أنّ الاقتتال بين طائفتين يُفضي إلى أنْ تَعُمَّ المفسدة ويلحق كل من مؤمن منها
٥٤٢