يُوسُفُ نَبِيُّ اللهِ ابْنُ نَبِيِّ الله ابْنِ خَلِيلِ الله قالوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قال : فَعَنْ مَعَادِن العَرَبِ تَسْأَلُونِي ؟ قالوا : نَعَم قال : خِيارُكُم في الجَاهِليَة خيارُكُم في الإسْلاَم إذا فَقِهُوا.
وقال : عليه الصلاة والسلام ـ : إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُورَكُمْ وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلى قُلُوبِكُمْ ".
فصل قرأ العامة : إنَّ أَكْرَمَكُمْ بكسر " إنّ " وابن عباس بفتحها، فإن جعلت اللام لام الأمر ـ وفيه بُعْدٌ ـ صَحَّ أن يكون قوله :" أنَّ أَكْرَمَكُمْ " بالفتح مفعول العِرْفَان فإن أمرهم أن يعرفوا وإن جعلتها للعلّة لم يظهر أن يكون مفعولاً، لأنه لم يجعلهم شعوباً وقبائل ليعفروا ذلك، فينبغي أن يكون المفعول محذوفاً واللام للعلة أي لِتَعْرِفُوا الحقَّ لأنَّ أَكْرَمَكُمْ.
فصل قال ابن الخطيب : في المراد بالآية وجهان : الأول : أن التقوى تفيد الإكرام.
والثاني : أن الإكرام يورث التقوى، كما يقال : المخلصون على خَطَر.
والأول أشهر، والثاني أظهر.
فإن قيل : التقوى من الأعمال والعلم أشرف لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" لَفَقِيهُ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابدٍ ".
فالجواب : أن التقوى ثمرة العلم لقوله تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر : ٢٨] فلا تقوى إلا العالم فالملتقي العالم أتم علمه والعالم الذي لا يتقي كشجرةٍ لا ثَمَر لها لكن الشجرة المثمرة أشرفُ من الشَّجَرةِ التي لا تُثْمر بل هي حطب وكذلك العالم الذي لا يتّقي حَصَبُ جهنم، وأما العابد الذي يفضل عليه الفيه فهو الذي لا علم له وحينئذ لا يكون عنده من خشية الله نِصَابٌ كامل، ولعلمه يعبده مخالفة الإلقاء في النار فهو كالمكره، أو لدخول الجنة، فهو يعمل كالفاعل له أجره ويرجع إلى نيته، والمتقي هو العالم بالله المواظب لِبَابِهِ.
فإن قيل : خطاب الناس بقوله :" اَكْرَمَكُمْ " يقتضي اشتراك الكال في الإكرام ولا كرامة للكافر فإنه أضل من الأنعام.
٥٥٧
فالجواب : ذلك غير لازم أنه بدليل قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء : ٧٠] لأن كل من خلق فقد اعترف بربه، ثم من استمر عليه وزَاد زِيدَ في كرامته، ومن رجع عنه أُزِيلَ عن الكرامة.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ أي عليم بظواهركم يعلم أنسابكم خبير ببواطنكم لا يخفى عليه أسراركم فاجعلوا التقوى زادكم.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٥٥٣
قوله تعالى :﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ الآية.
لما قالت تعالى :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات : ١٣] والاتّقاء لا يكون إلا بعد حصُول التقوى وأصله الإيمان والاتِّقاء من الشِّرك قالت الأعراب يكون لنا النسب الشريف يكون لنا الشرف قال الله تعالى : ليس الإميان بالقول إنما بالقلب، فما آمنتم فإن الله خبير بعلم ما في " الصدور " ولكن قولوا أسلمنا أي أنْقَدْنَا وأَسْلَمْنَا.
قيل : نزلت في نَفَرٍ من بني أسد بن خزيمة، قدموا على رسول الله ـ ﷺ ـ في سَنةٍ مُجَدِبَةٍ، فأظهروا الإِسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر طالبين الصدقة فأفسدوا طرق المدينة بالقاذورات وكانوا يغتدون وَيُرحُون إلى رسو لالله ـ ﷺ ـ ويقولون : أَتَتْكَ العرب بأنفسها على ظهور رَوَاحِلهَا، وجئناك بالأثقال والعِيَال والذَّرارِي ولم نُقاتِلكَ كما قاتَلَكَ بنُو فلان يَمُنُّون على رسول الله ـ ﷺ ـ ويريدون الصدقة، ويقولون أَعْطِنَا، فانزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال السدي : نزلت في الأعراب الذين الله تعالى في سورة الفتح وهم جُهَيْنَةُ ومُزَيْنَةُ وأَسْلَمُ، وأشْجَعُ وغِفَار وكانوا يقولون : آمنًّا ليأمَنُوا على أنفسهم وأموالهم فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا فأنزل الله تعالى :﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ صدقنا ﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـاكِن قُولُوا ااْ أَسْلَمْنَا﴾ أنقَذْنا واسْتَسْلَمْنَا مخالفَة القتل والسَّبْي.
قال ابن الخطيب : وقد بينا أن ذلك كالتاريخ للنزول لا للاختصاص بهم، فكل من
٥٥٨