قوله :" لَهَا طَلْعٌ " يجوز أن تكون الجملة حالاً من النخل أو من الضمير في " بَاسِقَاتٍ " ويجوز أن يكون الحال وحده " لَهَا " وطلع فاعل به.
ونَضِيدٌ بمعنى مَنضُود بعضها فوق بعض في كمامها كما في سنبلة الزرع، وهو عجيب، فإن الأشجار الطوال ثمارها بعضها على بعض، لكل واحد منها أصل يخرج منه كالجَوْزِ واللَّوز وغيرهما، والطَّلْعُ كالسُّنْبُلَة الواحدة يكون على أصل واحدٍ.
قوله :" رزْقاً " يجوز أن يكون حالاً أي مرزوقاً للعباد أي ذا رزق، وإن يكون مصدراً من معنى أنْبَتْنَا ؛ لأن إنبات هذه رزق فكأنه قال : أنبتناها إنباتاً للعباد ويجوز أن تكون مفعولاً له للعباد، إمّا صفة، وإما متعلق بالمصدر، وإِما مفعولاً للمصدر، واللام زائدة، أي رِزْقاً العبادَ.
فصل قال ابن الخطيب : ما الحكمة في قوله عند خلق السماء والأرض :" تَبْصِرَةً وذِكْرَى " وفي الثمار قال :" رِزْقاً " والثمار أيضاً فيها تبصرة وفي السماء والأرض أيضاً منفعة غير التبصرة والتذكرة ؟ نقول : فيه وجوه : أحدها : أن الاستدلال وقع لوجود أمرين : أحدهما الإعادة، والثاني : البقاء بعد الإعادة، فإن النبي - ﷺ - كان يخبرهم بحشر وجمع يكون بعده الثواب الدائم، والعقاب الدائم، وأنكروا ذلك، فقال أما الأوّل فالله القادر على خلق السموات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء، وأما الثاني فلأن البقاء في الدنيا بالرزق والقادر على إخراج الأرزاق من النّخل والشجر قادر على أن يرزق بعد الحشر فكان الأوَّل تبصرةً وتذكرةً بالخلق، والثاني تذكرة بالبقاء بالرزق، ويدل على هذا الفصل بينهما بقوله تعالى :﴿تبصرة وذكرى﴾ حيث ذكر ذلك بعد الآيتين، ثم بدأ بذكر الماء وإنزاله وإنبات النبات.
ثانيها : منفعة الثمار الظاهرة وهي الرزق فذكرها، ومنفعة السماء الظاهرة ليست أمراً عائداً إلى انتفاع العباد لبعدها عن ذهنهم حتى أنهم لو توهموا عدم الزرع والثمر لظنوا أن يهلكوا ولو توهموا عدم السماء فوقهم لقالوا : لا يضرنا ذلك مع أن الأمر بالعكس أولى لأنّ السماء سبب الأرْزاق بقدرة الله تعالى، وفيها منافع غير ذلك والثمار وإن لم تكن كان العيش كما أنزل الله على قوم المنَّ والسلوى، وعلى قوم المائدة من السماء فذكر الأظهر للناس في هذا المواضع.
٢٠
ثالثها : قوله : رزْقاً إشارة إلى كونه منعماً ليكون تكذيبهم في غاية القبح فإنه يكون إشارة بالمنعم وهو أقبح ما يكون.
فصل قال :﴿تبصرة وذكرى لكل عبد منيب﴾ فقيّد العبد بكونه منيباً، لأنّ العبودية حصلت لكل أحد غير أن المنيب يأكل ذاكراً شاكراً للإنعام وغيره يأكل كما تأكل الأنْعام، فلم يخصص بقيدٍ.
قوله :" فَأَحْيَيْنَا بِهِ " أي بالماء و " مَيْتاً " صفة لـ " بَلْدَةً " ولم يؤنث حملاً على معنى المكان.
والعامة على التخفيف.
وأبو جعفر وخالد بالتَّثْقِيلِ.
فإن قيل : ما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله :﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ [يس : ٣٣] حيث أثبت (الهاء) هناك ؟ فالجواب : أن الأصل في الأرض الوصف فقال الميتة، لأن معنى الفاعلية ظاهرٌ هناك والبلدة الأصل فيها الحياة لأن الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعَمَرُوهَا فصارت بلدة فأسقط الهاء لأن معنى الفاعلية ظاهر فيثبت فيه الهاء، وإذا كان بمعنى الفاعل لم يظهر لا يثبت فيه الهاء، ويحقق هذا قوله :﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ [سبأ : ١٥] حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعلية ولم يثبت حيث لم يظهر.
قوله :" كَذَلِكَ الْخُرُوجُ " أي من القبور أي كالإحياء الخروج.
فإن قيل : الإحياء يشبه به الإخراج لا الخروج ؟ فالجواب : تقديره أحيينا به بلدةً ميْتاً فتشققت وخرج منها النبات كذلك تَتَشققُ ويخرج منها الأموات.
قال ابن الخطيب : وهذا يؤكد قولنا : إن الرَّجْعَ بمعنى الرجوع في قوله :﴿ذلك رجع بعيد﴾ ؛ لأنه تعالى بين لهم ما استبعدوه فلو استبعدوا الرجع الذي هو من المتعدي لناسبهُ أن يقول : كذلك الإخراج فلما قال : كذلك الخروج فهم أنهم أنكروا الرجوع فقال : كذلك الرجوع والخروج.
٢١
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٦


الصفحة التالية
Icon