وتقول العرب : ويحك ارْجِلاَهَا وازْجُرَاهَا وخُذاها للواحد.
قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوانِ الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان فجرى كلام الواحد على صاحبه، ومنه قولهم في الشعر : خليليَّ.
وقال الزجاج : هذا أمر السائق والشهيد.
وقيل : للمتلقين.
قوله :﴿كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ الكفار يحتمل أن يكون من الكُفْر فيكون بمعنى شديد الكفر لأن الشديد في اللفظ بدل على شدة في المعنى، ويحتمل أن يكون الكُفْران فهو المنكر نعم الله مع كثرتها.
و " العنيدُ " فعيل بمعنى فاعل من عَنِدَ عُنُوداً، ومنه العِنَادُ.
والمعنى عاصٍ معرض عن الحق.
قال عكرمة ومجاهد : مجانبٍ للحق ومعاندٍ لله.
قوله :" مَنَّاع للخير " أي كثير المنع للمال والواجب من الزَّكاة وكُلّ حق واجب في ماله هذا إذا قلنا إن الكفار هو المنكر نعم الله تعالى.
وإن قلنا : هو من الكفر فهو الذي أنكر دلائل وحدانية الله تعالى مع قوّتها وظهورها، فكان شديد الكفر عنيداً حيث أنكر الحق الواضح فهو مناع شديد المنع من الإيمان فهو مناع للخير وهو الإيمان الذي هو خَيْرٌ محض، كأنه يقول : كفر بالله ولم يقتنع بكفره، حتى مَنَعَ الخير من الغَيْر.
قوله :" مُعتَدٍ " فإن فسرنا المَنَّاع بمنَّاع الزكاة فمعناه لمن يؤدِّ الواجب وتعدى ذلك حتى أخذ الحرام أيضاً بالرِّبا كما كان عادة المشركين، وإن كان المنّاع بمعنى منع الإيمان فكأنه يقول : مَنَعَ الإيمان ولم يقنع به حتى تعداه، وأهان مَنْ آمَن، وآذاهُ، وأعان من كفر فَآوَاهُ.
قال المفسرون : هو الظالم الذي لا يُقرُّ بتوحيد الله تعالى.
وقوله :" مُرِيبٍ " أي شاكّ في التوحيد.
ومعناه دخل في الرَّيْب، وقيل : موقع للغير في الريب بإلقاء الشُّبَه.
وإن قيل : بأن المنَّاع مَنَّاعُ الزكاة فمعناه لا يعطي الزكاة لأنه في رَيْبٍ من الآخرة والثواب.
قال ابن الخطيب : وفيه ترتيب آخر وهو أن يُقَالَ : هذا بيان أحوال الكافر بالنسبة إلى الله تعالى وإلى الرَّسُول وإلى اليوم الآخر.
فقوله :" كَفَّار عَنيد " إشارة إلى حَالِهِ مَعَ اللَّهِ يكفر به ويعاند آياته.
وقوله :﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ﴾، إشارة إلى حَالِهِ مع الرسول يمنع الناس اتّبَاعَهُ ومن الإنفاق على مَنْ عنده وبتعدَّى بالإيذاء وقوله :" مريب " إشارة إلى حاله بالنسبة إلى اليوم الآخر يَرْتَاب فيه ولا يظن أن الساعة قائمةٌ.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ﴾ إلى غير ذلك
٣١
يوجب أن يكون الإلقاءُ خاصاً بمن اجتمع فيه هذه الصفات بأسرها والكفر وحده كاف في إثبات الإلقاء في جهنم ؟ فالجواب : أن قوله :﴿كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ﴾ ليس المراد منه الوصف المميز كما يقال : أعطِ العالم الزاهدَ بل المراد الوصف المبين لكون الموصوف موصوفاً به إما على سبيل المدح أو على سبيل الذم كقولك : هَذَا حَاتِمٌ السخيُّ.
فقوله :﴿كل كفار عنيد﴾ معناه أن الكافر عنيد ومناع للخير ؛ لأن آياتِ الوحدانية ظاهرةٌ ونِعَمَ الله على عباده وافرة وهو مع ذلك عنيد ومناع للخير، لأنه يمدح دينه ويذم دين الحق فهو يَمْنَعُ، ومُرِيب لأنه يرتاب في الحَشْر، وكل كافر فهو موصوف بهذه الصفات.
قوله :" الَّذِي جَعَلَ " يجوز أن يكون منصوباً على الذَّمِّ، أو على البدل من " كُلَّ " وأن يكون مجروراً بدلاً من " كَفَّارٍ "، أو مرفوعاً بالابتداء والخبر " فَأَلْقِيَاهُ ".
قيل : ودخلت الفاء لشبهِهِ بالشرط، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي هو الذي جعل، ويكون " فَأَلْقِيَاهُ " تأكيداً.
وجوز ابن عَطِيَّة أن يكون صفة " لِكَفَّارٍ " ؛ قال : من حيث يختص " كفار " بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه لهذه المعرفة.
وهذا مردودٌ.
وقرئ بفتح التَّنوين في " مُرِيب " فراراً من تَوَالي أَرْبع متجانساتٍ.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٩
قوله :" قَالَ قَرِينُهُ " جاءت هذه بلا واو ؛ لأنها قصد بها الاستئناف كأن الكافر قال : ربِّ هُو أطغاني فقال قرينه : مَا أَطْغَيْتُهُ بخلاف التي قبلها فإنها عطفت على ما قبلها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع المَلَكَيْن وقول قرينه ما قال.
قال ابن الخطيب : جاءت هذه بلا واو وفي الأولى بالواو العاطفة لأن في الأولى إشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين، فإن كل نفس في ذلك الوقت يجيء معها سائقٌ وشهيد فيقول الشهيد ذلك القول، وفي الثاني لم يوجد هناك معنيان مجتمعان حتى يذكر بالواو، فإن الفاء في قوله :﴿فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ﴾ [ق : ٢٦] لا يناسب قوله :" قَالَ رَبَّنَا مَا أطْغَيْتُهُ " فليس هناك مناسبة مقتضية للعطف بالواو.
٣٢


الصفحة التالية
Icon