قوله :﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ أي لا تبديل لقولي، وهو قوله :﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة : ١٣].
وقيل المعنى ما يبدل القول لديَّ أي ما يكذب عندي ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلمُ الغيب.
وهذا قول الكلبي، ومقاتل، واختيار الفراء ؛ لأنه قال :﴿ما يبدَّل القول لدي﴾ ولم يقل :" ما يبدل قولي ".
وقيل : معناه ما يبدل القول السابقُ أنّ هذا شقي وهذا سعيد حين خلقت العباد، فذلك القول عندي لا تبديل له بسَعي ساعٍ.
وهذا ردّ على المُرْجِئَةِ حيث قالوا : ما ورد في القرآن من الوَعيد فَهُو تخويفٌ ولا يحقق اللَّهُ منه شيئاً، وقالوا : الكريم إذا وعد بخير وَفَى، وإذا أوعد أخْلَف وَعَفَا.
وقيل : المعنى ما يُبَدَّلُ الكفر بالإيمان لَدَيَّ، فإن القيام عند القيام بين يدي الله في القيامة غير مقبول فقوله :﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ إشارة إلى نفي الحال، كأنه قال : ما يبدل اليومَ لدي القول ؛ لأن " ما " إذا دخلت على الفعل المضارع ينفى بها الحال، تقول : مَاذَا يَفْعَلُ زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ ؟ فيقال : مَا يَفْعَلُ شيئاً أي في الحال فإذا قلت : ماذا يَفْعَلُ غداً ؟ قيلَ : لا يفعل شيئاً إذا أريد زيادة بيان النفي.
قوله :﴿وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ أي فأعاقبهم بغير جُرْم.
واعلم أن الظلاَّم مبالغةٌ في الظالم ويلزم من إثباته إثبات أصل الظلم فإذا قال القائل : هو كذاب يلزم أن يكون كثيرَ الكَذِب، فلا يلزم من نفيه نفي أصلِ الكذب لجواز أن يقال : ليس بكذاب كثير الكذب لكنه يكذب أحياناً.
فقوله :﴿مَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ﴾ يفهم منه نَفي أصلِ الظلم وأن الله ليس بظالم.
والوجه في ذلك من وجوه : الأول : أن الظلام بمعنى الظالم كالتمار بمعنى التامر، فيكون اللام في قوله :" للعبيد " لتحقيق النِّسبةِ لأن الفَعَّال حينئذ بمعنى ذي ظلم.
الثاني : قال الزمخشري : إن ذَلِكَ أمرٌ تقديريّ كأنه تعالى يقول : لو ظلمتُ عبدي الضعيفَ الذي هو محلّ الرحمة لكان ذلك غايةَ الظلم وما أنا بذلك، فيلزم من نفي كونه ظلاماً نفي كونه ظالماً، ويحقق هذا الوجه إظهار لفظ العبيد حيث قال :﴿وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ أي في ذلك اليوم الذي أملأ فيه جهنم مع وُسْعِها حتى تَصِيحَ وتقول : لم يبق لي طاقةٌ بهم، ولم يبق فيَّ موضع لهم، " فَهَلْ مِنْ مَزيدٍ " استفهام إنكار.
٣٥
الثاث : أنه لمقابلة الجمع بالجمع، والمعنى أن ذلك اليوم مع أني أُلْقِي في جهنم عدداً لا حصر له لا أكون بسبب كثرة التعذيب كثيرَ الظلم لأنه قال :" وما أنا بظلام للعبيد، يَوْمَ نَقُولُ " ولم يقل : مَا أَنَا بِظَلاَّمٍ في جميع الأزمان.
وخصص بالعبيد حيث قال :﴿ما أنا بظلام للعبيد﴾، ولم يطلق فكذلك خصص النفي بنوع من أنواع الظلم ولم يطلق، ولم يلزم منه أن يكون ظالماً في غير ذلك الوقت.
وبقية الأوجه مذكورة في آل عِمْرَانَ عند قوله :" بظلام للعبيد " ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [آل عمران : ١١].
فصل هذه الآية تدل على أن التخصيص بالذكر لا يدل على نفي ما عداه ؛ لأنه نفى كونه ظلاماً ولم يلزم منه كونهُ ظالماً ولم يلزم منه كونه ظلاَّماً لِغَيْرهم.
فصل يحتمل أن يكون المراد الكفار كقوله تعالى :﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ﴾ [يس : ٣٠]، المعنى أعذبهم وما أنا بظلام لهم، ويحتمل أن يكون المراد المؤمنين.
والمعنى أن الله تعالى يقول : لو بدلت قولي ورحمت الكافر لكنت في تكليف العباد ظالماً لعبادي المؤمنين لأني منعتهم من الشهواب لأجل هذا اليوم فلو كان ينال من لم يأتِ بما أتى به المؤمن لكان إتيان المؤمن بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد، وهذا معنى قوله تعالى :﴿لاَ يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الحشر : ٢٠] وقوله :﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر : ٩] ويحتمل أن يكون المراد التعميمَ.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٢
قوله تعالى :﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ﴾ يوم منصوب إما " بظَلاَّمٍ " ولا مفهوم لهذا ؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى.
أو بقوله :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ [ق : ٢٠].
والإشارة بذلك إلى : يَوْمَ نَقُولُ.
قاله الزمَخْشَريّ.
واستبعده أبُو حَيَّان ؛ لكثرة
٣٦