المكسور، وكسر الحاء وفتح الباء، وكسر الحاء وضم الباء، وهذه أقلها لأن هذه الزنة مهملة في أبنية العرب.
قال ابن عطية وغيره : هو من التداخل، يعني أن فيها لغتين الكسر في الحاء والباء والضم فيهما فأخذ هذا القارئ الكسرَ من لغةٍ، والضمّ من أُخْرَى.
واستبعدها الناس ؛ لأن التداخل إنما يكون في كلمتين.
وخرجها أبو حيان على أن الحاء أتبعت لحركة التاء في ذات، قال : ولم يعتد باللام فاصلةً لأنها ساكنة فهي حاجز بَيِّنٌ حصين.
وقد وافق الحسن على هذه القراءة أبو مالك الغِفَارّي.
وقرأ عكرمة بالضم والفتح جمع حُبْكَة نحو : غُرْفَة وغُرَف، وابن عباس وأبو مالك الحَبَك بفتحتين، جمع حَبْكَة كعَقْبَة وعَقَب.
وقوله :﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾ جواب القسم.
فصل المعنى : إنكم يا أهل مكة لفي قول مختلف في حق محمد - ﷺ - تارة تقولون : إنه أمين، وأخرى إنه كاذب، وتارة تنسبونه إلى الجنون، وتارة كاهن، وشاعر، وساحر، وهذا القول ضعيف ؛ إذ لا حاجة إلى اليمين على هذا، لأنهم كانوا يقولون ذلك من غير إنكار حتى يؤيد باليمين.
وقيل : يقولون : إنه مجنون ثم يقولون : غلبنا بقُوَّةِ جداله.
وقيل : لفي قول مختلف في القرآن، يقولون فيه إنه سِحْرٌ وكَهَانَةٌ وأساطير الأولين.
وقيل : قَوْلٌ مختلف أي مصدّق ومكذب.
وقيل : غير ثابتين على أمر.
وقيل : متناقض، تارة يقولون : لا حَشْرَ ولا حَيَاةَ بعد الموت، ثم يقولون : إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا على أُمَّةٍ.
٦٢
قوله :" يُؤفك عنه " صفة لقول، والضمير في " عنه " للقرآن، أو الرسول، أو للدين، أو لما توعدون، أي يصرف عنه.
وقيل : عن السبب.
والمأفوك عنه محذوف، والضمير في " عنه " على هذا القول مختلف، أي يؤفك بسبب القول من أراد الإسلام بأن يقول : هو سحرٌ وكَهَانَةٌ.
والعامة على بناء الفعلين للمفعول.
وقتادة وابن جبير : يُؤْفَكُ عنه من أَفِكَ، الأول للمفعول، والثاني للفاعل، أي يُصْرَفُ عنه من صَرَفَ الناسَ عَنْهُ.
وزيد بن علي : يَأْفِكُ مبنياً للفاعل من أفِكَ مبنياً للمفعول عكس ما قبله، أي يَصْرِف الناسَ عَنْه مَنْ هو مَأْفُوكٌ في نَفْسِهِ.
وعنه أيضاً : يُؤفّكُ عنه من أفَّكَ بالتشديد، أي من هو أَفَّاك في نفسه.
وقرئ : يُؤْفَن عنه من أُفِن بالنون فيهما أي يُحْرَمُهُ من حُرِمَهُ من أَفَنَ الضَّرْعَ إذا نَهَكَهُ حَلْباً.
فصل قيل في تفسير قوله :﴿يؤفك عنه من أفك﴾ وجوه : أحدها : مدح المؤمنين، ومعناه يصرف عن القول المختلف من صرف عن ذلك القول، ويرشد إلى القول المستوي.
وقيل : إنه ذم ومعناه يؤفك عن الإيمان به من صرف حتى يكذبه، يعني من حرمه الله الإيمان بمحمد وبالقرآن.
وقيل " عن " بمعنى " مِنْ أجل "، أي يصرف من أجل هذا القول المختلف، أو بسببه عن الإيمان من صرف، وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإيمان، فيقولون : إنه ساحر، وكاهن، ومجنون، فيصرفونه عن الإيمان، قاله مجاهد.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٦٠
قوله :" قُتِلَ الخَراصونَ " لُعِنَ الكَذَّابُونَ.
وقرئ : قَتَلَ مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى :﴿الخرّاصين﴾ مفعوله، والمعنى لُعِنَ الخراصون وهم الذين لا يجزمون بأمر ولا يثبتون عليه، بل هم شاكون متحيرون.
وهذا دعاء عليهم، ثم يصفهم بأنهم في غمرة ساهون، فقوله :" سَاهُونَ " يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر والمبتدأ قوله " هم "، والتقدير : هم كائنون في غَمْرَة ساهون، كقولك : زَيدٌ جَاهلٌ جَائرٌ، لا تقصد به وصف الجاهل بالجائر.
ويحتمل أن يقال :" ساهون " خبر، و " في غمرة " ظرف له، كقولك : زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ قَاعِدٌ فالخبر هو " قاعد " لا غير، و " في بيته " بيان لطرف القعود، فكذا قوله :" في غمرة " ظرف للسَّهْوَةِ.
واعلم إن وصف الخارص بالسهو دليل على أن الخراص صفة ذم يقال : تَخَرَّصَ عليه الباطل.
قال المفسرون : هم الذين اقتسموا عِقَاب مكة، فاقتسموا القول في النبي - ﷺ - ليصرفوا الناس عن دين الإسلام.
وقال مجاهد : الكهنة الذين هم في غَمْرَة أي غَفْلة وعَمًى وجَهَالَةً " سَاهُونَ " غافلون عن أمر الآخرة.
والسهو الغفلة عن الشيء وهو ذَهَابُ القلب عنه.
قوله تعالى :﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ فقوله :﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ مبتدأ أو خبر قيل : وهما ظرفان فكيف يقع أحد الظرفين في الآخر ؟.
وأجيب : بأنه على حذف حَدَثٍ أي أَيَّانَ وُقوع يَوْمِ الدِّين " فَأَيَّانَ " ظرف الوقوع، كما تقول : مَتَى يَكُونُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، وتقدم قراءة إيّانِ - بالكسر - في الأَعراف.
قيل : وأيان من المركبات، ركب من " أيٍّ " التي للاستفهام، و " آن " التي بمعنى متى، أو مِنْ " أَيٍّ " (و) أَوَان ؛ فكأنه قال : أَيّ أَوَان، فلما ركبت بُنِيَ.
وهذا جواب قوله :﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات : ٦] فكأنه قال : أَيَّانَ يَقَعُ ؟ استهزاءً.
٦٤


الصفحة التالية
Icon