وقال عطاء عن ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ) : يريد اختلاف الأَلْسنة والصور والألوان والطبائع.
وقال ابن الزُّبَيْر : يريد سبيل البول والغائط يَأكُلُ ويَشْرَبُ من مَدْخَلٍ واحد ويَخْرج من سِبِيلَيْنِ.
وقوله : أفلا تبصرون " قال مقاتل : أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث ؟ قوله :" وفي أنفسكم " نَسَقٌ على (مَا) " في الأرض " فهو خبر عن " آيات " أيضاً، والتقدير : وفي الأرض وفي أنفسكم آيات.
وقال أبو البقاء : وَمَنْ رَفَعَ بالظرف جعل ضمير " الآيات " في الظرف.
يعني من يرفع الفاعل بالظرف مطلقاً أي وإن لم يعتمد يرفع بهذا الجار فاعلاً هو ضمير " آيات ".
وجوز بعضُهم أن يتعلق بـ " يُبْصِرُونَ ".
وهو فاسدٌ ؛ لأن الاستفهام والفاء يمنعان جَوَازَهُ.
وقرأ قتادة :" آية " بالإفراد، وقوله :" فِي أنْفُسِكُمْ " يُحْتَمَلُ أن يكون المراد فِيكُمْ، يقال : الحجارة في نفسها صُلْبَة، ولا يراد بها النفس التي هي مَنْبعُ الحياة والحِسّ والحَرَكَات.
ويحتمل أن يكون المراد وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات وقوله :" أَفَلاَ تُبْصِرُونَ " بالاستفهام إشارة إلى ظهورها.
قوله :﴿وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ﴾ أي سبب رزقكم.
وقرأ حُمَيْدٌ وابنُ مُحَيْصن : رازِقُكُمْ اسم فاعل، والله تعالى متعالٍ عَنِ الجِهّةِ.
قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل : يعني بالرزق : المطر ؛ لأنه سبب الأَرزاق.
وقيل : في السماء رزقكم مكتوب، وقيل : تقدير الأرزاق كلها من السماء، ولولاه لما حصل في الأرض حبَّة قُوتٍ.
٧٥
قوله :" وَمَا تُوعَدُونَ " قال عطاء : من الثَّوَاب والعِقَاب، وقال مجاهد : من الخَيْر والشَّرِّ.
وقال الضحاك : وما توعدون من الجَنَّة والنار فيكون المعنى على هذا : وما توعدون لحقّ، كقوله :﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ [الذاريات : ٥] فإن قلنا : المراد بقوله :" وما توعدون " الجنة فهو من الوعد، وإن قيل : المراد العذاب فيكون الخطاب مع الكفار.
قوله :﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ الضمير إما للقرآن، وإما " للدِّين "، وإما " الْيَوْم " في قوله :﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذاريات : ٦] و " يَوْمَ هُمْ " و " يَوْم الدِّينِ "، وإما للنبيّ - ﷺ - ودخلت الفاء بمعنى إنَّ ما توعدون لحق بالبرهان المبين ثم بالقسم واليمين أو للعطف على قوله :" والذَّاريات " مع إعادة المقسم عليه لوقوع الفَصْل.
وأقسم أولاً بالمخلوقات وههنا بربها تَرَقِّياً من الأدنى إلى الأعلى.
قوله :" مِثْلَ مَا " قرأ الأخوانِ وأبو بكر مِثْلُ بالرفع، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه خبر ثانٍ مستقلٌّ كالأَول.
الثاني : أنه مع ما قبله خبرٌ واحد، كقولك : هَذَا حُلْوٌ حَامِضٌ نقلهما أبو البقاء.
والثالث : أنه نعت لحَقٍّ و " ما " مزيدة على الأوجه الثلاثة و " أَنَّكُمْ " مضاف إليه، أي لَحَقٌّ مِثْلُ نُطْقِكُم، ولا يضر تقدير إضافتها لمعرفة، لأنها لا تتعرف بذلك لإبْهَامِهَا.
والباقون بالنصب، وفيه أوجه : أشهرها : أنه نعت " لحَقّ " أيضاً كما في القراءة الأولى، وإنما بني الاسم لإضافته إلى غير متمكن، كما بناه الآخر في قوله :
٧٦
٤٥٢٢ - فَتَدَاعَى مِنْخَرَاهُ بِدَمٍ
مِثْلَ مَا أثْمَرَ حُمَّاضُ الجَبَلْ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٧٤
بفتح " مثل " مع أنها نعت لِـ " دَمٍ " وكما بنيت " غَيْرُ " في قوله - (رحمةُ الله عليه) - : ٤٥٢٣ - لَمْ يَمْنَع الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ
حَمَامَةٌ فِي غُصُونٍ ذَاتِ أَوْقَالِ
" غير " فاعل يمنع، فبناها على الفتح لإضافتها إلى " أَنْ نَطَقَتْ " وقد تقدم في قراءة :﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام : ٩٤] بالفتح ما يُغْنِي عن تقرير مِثْلِ هذا.
الثاني : أن " مِثْلَ " ركّب مع " ما " حتى صارا شيئاً واحداً، قال المازني : ومثله : وَيْحَمَا، وهَيَّمَا وَأيْنَمَا، وأنشد لحُمَيْد بن ثَوْر - ( رحمة اللَّهِ عليه رَحْمةً واسعةً - ) : ٤٥٢٤ - أَلاَ هَيَّمَا مِمَّا لَقِيتُ وَهَيَّمَا
وَوَيْحاً لِمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا هُنَّ وَيْحَمَا
قال : فلولا البناء لكان منوناً.
وأنشد أيضاً :
٧٧
٤٥٢٥ -............................
فَأَكْرِمْ بِنَا أباً وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَمَا
وهو الذي ذهب إليه بعض النحويين وأنشد : ٤٥٢٦ - أَثَوْرَ مَا أَصِيدُكُمْ أَمْ ثَوْرَيْنْ
أَمْ هَذِه الْجَمَّاءُ ذَاتُ القَرنَيْنْ