يوجب الإيمان في الدنيا إلا إيمان الآباء.
قال ابن الخطيب : وهَذا وجهٌ حَسَنٌ.
قوله :﴿كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾ قال مقاتل : كل امرئ كافر بما عمل من الشرك فهو مرتهن في النار والمؤمن لا يكون مرتهناً لقوله تعالى :﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ [المدثر : ٣٨ - ٣٩].
قال الواحدي : هذا يعود إلى ذكر أهل النار.
وهُو قولُ مُجَاهِدٍ أيْضاً.
وقال الزمخشري : هذا عام في كل واحد أنه يكون مرهوناً عند الله بالكسب فإن كَسَبَ خيراً فك رقبته وإلا أغلق الرهن.
قال ابن الخطيب : وفيه وجه آخر وهو أن يكون الرهينُ فَعِيلاً بمعنى الفاعل فيكون المعنى : كل امرئ بما كسب راهن أي دائم إن أحسن ففي الجنة مؤبداً، وإن أساء ففي النار مخلداً ؛ لأن في الدنيا دوام الأعمال بدوام الأعيان فإن العَرَض لا يبقى إلا في جوهر فلا يوجد إلا فيه، وفي الآخرة دوام الأعيان بدوام الأعمال فإن الله يبقي أعمالهم لكونها عند الله تعالى من الباقيات الصالحات، وما عند الله باقٍ والباقي يبقى مع عمله.
قوله تعالى :﴿وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ﴾، زيادة على ما كان لهم ﴿وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾ من أنواع اللّحْمَانِ.
والمعنى زدناهم مأكولاً ومشروباً فالمأكول الفاكهةُ واللحم، والمشروب الكأس.
وفي هذا لطيفةٌ وهي أنه لما قال : مَا أَلَتْنَاهُمْ ونفي النقصان يصدق بحصول المساوئ، فقال : ليس عدم النقصان باقتصار على المساوئ ؛ بل بالزيادة والإمداد.
قوله :" يَتَنَازَعُونَ " في موضع نصب على الحال من مفعول :" أمْدَدْنَاهُمْ " ويجوز أن يكون مستأنفاً.
وتقدم الخلاف في قوله :﴿لاَّ لَغْوٌ فِيهَا﴾ في البقرة.
والجملة في موضع نصب صفة لكأسٍ.
وقوله : فِيهَا أي في شَرَابِهَا.
وقيل : في الجَنَّة.
ومعنى يتنازعون أي يَتَعَاطَوْن.
ويحتمل أن يقال : التنازع التجاذب ويكون تجاذبهم تجاذب مُلاَعَبةٍ لا تَجاذُبَ مُنَازَعَة.
وفيه نوع لذَّةٍ، قال الشاعر :
١٣٢
٤٥٣٤ - نَازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الشَّمُولِ وَقَدْ
صَاحَ الدَّجَاجُ وَحَانَتْ وَقْعَةُ السَّارِي
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٢٤
وقوله :﴿لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ﴾ قال قتادة : اللَّغْو : الباطل.
وقال مقاتل بن حيّان : لا فضولَ فيها.
وقال سعيد بن المسيب : لاَ رَفَث فيها.
وقال ابن زَيْد : لا سبابَ ولا تخاصُمَ فيها.
وقال القُتَيْبِيُّ : لا يذهب عقولهم فيَلْغُوا أو يَرْفُثُوا " وَلاَ تَأْثيمٌ " أي لا يكون منهم ما يُؤْثِمُهُمْ.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون المراد من التأثيم السُّكْر.
وقال الزجاج : لا يجري منهم ما يُلْغَى ولا ما فيه إثم كما يجري في الدنيا لشَرَبَةِ الخَمْر.
وقيل : لا يأثمون في شُرْبِهَا.
قوله تعالى :﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾ أي يطوف عليهم بالخِدمة غلمانٌ لهم " كَأَنَّهُمْ " في الحسن والبياض والصَّفاء.
قوله :﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ﴾ صفة ثانية " لِغِلْمَانٍ ".
والمعنى يطوف عليهم بالكُؤُوس غلمانٌ لهم.
وهم الوِلْدَان المُخَلَّدُون ﴿كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ﴾ أي مخزون مَصُونٌ لم تَمَسَّهُ الأَيْدِي.
قال سعيدُ بن جُبَيْر : يعني في الصِّدق، وقال عبد الله بن عمر : ما من أحد من أهل الجنة إلا يسعى عليه ألفُ غلام وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه.
" وروي عن الحسن أنه لما تلا هذه الآية قال : قَالُوا يا رسول الله : الخادم كاللؤلؤ المكنون فكيف المخْدُوم ؟ قال : فَضْلُ المَخْدُومِ عَلَى الْخَادِمِ كَفَضْلِ لَيْلَةَ البدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَواكِبِ ".
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٢٤
قوله تعالى :﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ يسأَلُ بعضُهم بعضاً في الجنة.
قال ابن عباس - (رضي الله عنهما) - : يتذاكرُون ما كانوا فيه من التَّعَب والخوف في الدنيا ؛ فقوله :" يَتَسَاءَلُونَ " جملة حالية من " بَعْضُهُمْ ".
١٣٣