قال ابن الخطيب : في " الكُبْرَى " وجهان : أحدهما : أنها صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه الآيَة الكُبْرَى.
ثانيهما : صفة لآيات ربه فيكون مفعول رأى محذوفاً تقديره رأى من آيات ربّه الكبرى آيةً أو شيئاً.
فصل قال بعض المفسرين : آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل - عليه الصلاة والسلام - في صورته.
قال ابن الخطيب : والظاهر أن هذه الآيات غير تِيكَ، لأن جبريلَ - عَلَيْهِ الصَّلاة والسلامُ - وإن كان عظيماً، لكن ورد في الأخبار أن لله ملائكةً أعظمَ منه.
و " الكُبْرَى " تأنيث الأكبر فكأنه تعالى قال : رأى من آيات ربِّه آياتٍ هي أكبر الآيَاتِ.
فصل قال المفسرون : رأى رَفْرَفاً أخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السماء.
قال البيهقيُّ : الرفرف جبريلُ - عليه الصلاة والسلام - في صورته على رفرف، والرَّفْرَفُ البسَاط.
وقيل : ثوبٌ كان يَلْبَسُهُ.
وقال القرطبي : وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى :﴿دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ [النجم : ٨] أنه على التقديم والتأخير، أي تدلى الرفرف لمحمد - عليه الصلاة والسلام - ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه قال : فَارَقَنِي جبريلُ وانْقَطَعت عَنّي الأَصْوَاتُ وسَمِعْتُ كَلاَمَ رَبِّي.
فعلى هذا الرفرف ما يجلس عليه كالبسَاط ونَحْوِهِ.
فصل قال ابن الخطيب (هذه الآية) تدل على أن محمداً - عليه الصلاة والسلام - لم ير الله ليلة المعراج وإنما رأى آيات الله.
وفيه خلاف.
ووجه الدلالة أنه ختم قصة المعراج ههنا برؤية الآيات وقال :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ [الإسراء : ١] إلى أن قال :﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ﴾ [الإسراء : ١] ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظمَ ما يمكن فكان أكبر شيء هو الرؤية، فكان الأمر للرؤية.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٦٩
قوله :﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ﴾ لما قرر الرسالة ذكر ما ينبغي أن يبتدئ به الرسول وهو التوحيد ومنع الخلق عن الإشراك، فقوله :" أَفَرَاَيْتُمْ " إشارة إلى إبطال قولهم بنفس القول كما إذا ادعى ضعيفٌ الملكَ ثم رآه العقلاء في غاية البعد عما يدعيه يقولون : انْظُرُوا إلى هذا الذي يدعي المُلْكَ منكرين عليه غير مستدلين بدليل لظهور أمره فكذلك قال :﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى ﴾ أي كما هما فكيف تشركونهما بالله ؟ فصل والألف واللام في (اللات) زائدة لازمة، فأما قوله : ٤٥٥٥ -.......................
إلَى لاَتِهَا.....................
فحذفت للإضافة.
وقيل : هي والعزى علمان بالوَضْع، أو صفتان غَالِبَتَانِ ؟ خلاف.
ويترتب على ذلك جواز صدق " أَل " وعدمه.
فإن قلنا : إنهما ليسا وصفين في الأصل فلا تحذف منهما " أل ".
وإن قلنا : إنهما صفتان وإنّ " أَلْ " لِلَمْحِ الصفة جاز، وبالتقديرين " فأل " زائدة.
وقال أبو البقاء : وقيل : هما صفتان غالبتان مثل الْحَارِث والْعَبَّاس فلا تكون أل زائدة.
انتهى.
قال شهاب الدين : وهو غلط، لأن التي للمح الصفة منصوص على زيادتها بمعنى أنها لم تُؤْثِر تَعْريفاً.
واختلف في تاء اللات، فقيل : أصل وأصله من لاَتَ يَلِيتُ فألفها عن ياء، فإن مادة " ل ي ت " موجودة.
وقيل : زائدة وهي من لَوَى يَلْوِي، لأنهم
١٧٧
كانوا يلوون أعْنَاقَهُمْ إليها، أو يلتوون أي يَعْتَكِفُونَ عليها.
وأصلها لَوْيَةٌ فحذفت لامها، فألفها على هذا (بدلٌ) من واو.
قال الزمخشري : هي فَعْلَة من لَوَى يَلْوِي، وعلى هذا فأصلها لوية فسكنت الياء وحذفت لالتقاء الساكنين، بقيت لَوْة فقلبت الواو ألفاً لفتح ما قبلها فصارت " لاَت ".
واخْتَلَف القُرَّاءُ في الوقف على تائها فوقف الكسائي عليها بالهاء.
والباقون بالتاء.
وهو مبني على القولين المتقدمين.
فمن اعتقد تاءها أصلية أَقرها في الوقت كتَاء بِنْتٍ، ومن اعتقد زيادتها وقف عليها هاءً.
قال ابن الخطيب : والتاء في اللات تاء تأنيث كما في المَنَاة لكنها تكتب ممطوطةً لئلا يوقف عليها فتصير هاءً فتشبه باسم (الله) فإن الهاء في (الله) أصلية ليست تاءَ تأنيث ووقف عليها فانقلبت هاءً.
واللاَّتُ اسمُ صنم.
وقيل : كان لثقيف بالطائف.
قاله قتادة.
وقيل : بعُكَاظ.
وقال زيد : بيت بنخلة.
وقيل : صنم.
ورجح ابن عطية الأول لقول الشاعر : ٤٥٥٦ - وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إلى لاَتِهَا
بمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٧٧
والعامة على تخفيف تائها.
وقرأ ابن عباس، ومجاهدٌ، ومنصورُ بن المُعْتَمِر، وأبو الجَوْزَاء، وأبو صالح وابنُ كثير - في رواية - بتشديد التاء.
فقيل : هو رجل كان يَلِتُّ السَّوِيقَ، ويُطْعِمهُ الْحَاجَّ، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل وكان يجلس عند حجر، فلما
١٧٨