فصل قال قتادة : مناة صخرة كانت لخُزَاعةَ بقَدِيد.


وقالت عائشة (رضي الله عنها) في الأنصار كانوا يصلون لمناةَ فكانت حذو قَديدٍ.
وقال ابن زيد : بيت كان بالمشلل تعبده بنو كعب.
وقال الضحاك مناة صنم لهُذَيْل وخُزَاعَة تعبده أهل مكة.
وقيل : اللاَّتُ والعُزَّى ومناة أصنامٌ مِنْ حجارةٍ كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
قوله :(الأُخْرَى) صفة لمَنَاةَ.
قال أبو البقاء : و " الأُخْرَى " توكيد لأن الثالثة لا تكون إلا أُخْرَى.
وقال الزمخشري : والأخرى ذم وهي المتأخِّرة الوضيعة المقدار، كقوله :﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ﴾ [الأعراف : ٣٨] أي وُضَعاؤهم لأَشْرَافِهمْ.
ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم لِلاَّتِ والْعُزَّى.
انتهى.
وفيه نظر، لأن " الأخرى " إنما تدل على الغيرية، وليس فيها تعريض لمدح ولا ذمٍّ، فإن جاء شيء فلقرينة خارجيَّةٍ.
وقيل : الأخرى صفة للعُزَّى ؛ لأن الثانية أخرى بالنسبة إلى الأولى.
وقال الحُسَيْنُ بن الفَضْلِ : فيه تقديم وتأخير أي العزَّى الأُخْرَى، ومناة الثالثة.
ولا حاجة إلى ذلك ؛ لأن الأصل عَدَمُهُ.
فصل قال ابن الخطيب : فإنْ قِيلَ : إنما يقال : أَخَّرُوا " أُخْرى " إذا (تقدم) أول مشاركٌ للثاني فلا يقال جَاءَنِي رَجُلٌ وامْرَأَةٌ أُخْرَى فيلزم أن تكون العُزَّى ثالثةً! فالجواب : قد يستعمل الآخر والأُخرى للذَّمِّ، فالمراد بالأخرى المتأخرة الذليلة.
واللات على صورة آدمّي.
والعُزَّى شجرة وهي نبات.
وقيل : صخرة جَمَاد وهي متأخرة عنهما.
أو في الكلام حذف أي اللات والعزى المعبودين بالباطل ومناة الثالثة الأخرى.
أو المعنى ومناة الأخرى الثالثة على التقديم والتأخير.
ومعنى الآية هل
١٨١
رأيتم هذه الأصنام حقَّ الرؤية فَإنْ رأيتموها علمتم أنها لا تَصْلُحُ للإلهيَّةِ.
والمقصود إبطال الشركاء وإثبات التوحيد.
فصل " أرأيت " بمعنى أخبرني فيتعدى لاثنين أولهما اللات وما عطف عليه، والثاني : الجملة الاستفهامية من قوله :" ألَكُمُ الذَّكَرُ ".
فإن قيل : لم يعد من هذه الجملة ضمير على المفعول الأول.
فالجواب : أن قوله " وَلَهُ الأُنْثَى " في قوة : له هذه الأصنام وإن كان أصل التركيب ألكم الذكر وله هُنَّ أي تلك الأصنام.
وإنما أوثر هذا الاسم الظاهر لوقوعه رأسَ فاصلةٍ.
وقد جعل الزجاج المفعولَ الثَّانِي محذوفاً، فإنَّه قال : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها فيقول أخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها ربّ العزة في الآي السالِفةِ.
انتهى.
فعلى هذا يكون قوله (أَلَكُمُ الذَّكَرُ) مُتعلِّقاً بما قبله من حيثُ المَعْنى لا من حيثُ الإعراب.
وجعل ابن عطية الرؤية هنا بصرية فقال : وهي من رؤية العين، لأنه أحال على أجرام مرئيَّة، ولو كانت " أرأيت " التي هي استفتاء لم يتعد.
وقد تقدم الكلام على ذلك في الأنعام وغيرها.
فإن قيل : ما فائدة الفاء في قوله :" أَفَرَأَيْتُمْ " وقد وردت في مواضعَ بغير فاء، كقوله تعالى :﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الزمر : ٣٨] (و) ﴿أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ﴾ [فاطر : ٤٠].
فالجواب : لما تقدم عظمة الله في ملكوته وأن رسوله إلى الرسل يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدته وقوته ولا يمكنه مع هذا أن يتعدى السدرة في مقام جلال الله وعزته قال : أَفَرَأَيْتُمْ هذه الأصنام مع ذلتها وحقارتها شركاء لله مع ما تقدم فقال بالفاء
١٨٢
أي عقيب ما سمعتم من عَظَمَةِ آياتِ الله الكبرى ونفادِ أمْرِهِ في الملأ الأعلى وما تحت الثَّرى انظروا إلى اللات والعزى تَعْلَمُوا فَسَادَ ما ذهبتم إليه.
قوله تعالى :﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى ﴾ قال الكلبي : كان المشركون بمكة يقولون للأصنام والملائكة بناتِ الله.
قال ابن الخطيب : معناه كيف جعلتم لله البنات وقد اعترفتم في أنفسكم أن البناتِ ناقصاتٌ والبنون كاملونَ والله كامل العظمة فكيف نسبتم إليه الناقص وهو في غاية الذلة والحقارة حيث عبدتم الجماد من الحجارة والشجر ثم نسبتم إليكم الكامل فهذه قسمةٌ جائرةٌ على زعمكم وعادتكم لأنه كان ينبغي أن تجعلوا الأعظم للعظيم والأنقص للحقير فخالفتم النقل والعقل والعادة ؟ قوله :﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾، " تلك " إشارة إلى محذوف تقديره تلكَ القِسْمَةُ قسمةٌ غير عادلةٍ.
ويحتمل أن يقال : تلك النسبة ؛ أي التي نسبوها إلى الله بأَنَّ له البناتِ.
وقوله (إذَنْ) جواب نسبتهم البنات إلى الله.
وقوله :" ضيزَى " قرأ ابن كثير ضِئْزَى بهمزة ساكنة والباقون بياء ساكنة.
وزيد بن عليّ ضَيْزَى بفتح الضاد والياء الساكنة.
فأما قراءة العامة فيحتمل أن تكون من ضَازَهُ يَضِيزُهُ إذا ضَامَهُ وجار عليه فمعنى ضِيزَى أي جائرة.
وقال مجاهد ومقاتل : قِسْمَةٌ عَوْجَاءُ.
وقال الحسن : غير معتدلة، قال الشاعر : ٤٥٦٠ - ضَازَتْ بَنُو أَسَدٍ بِحُكْمِهِمُ
إذْ يَجْعَلُونَ الرَّأسَ كَالذَّنَبِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ١٧٧


الصفحة التالية
Icon