قوله :" فتول عنهم " أي أعرض عنهم.
قال أكثر المفسرين : نسختها آية السيف.
قال ابن الخطيب إن قول المفسرين في قوله :" فَتَوَلَّ " منسوخ ليس كذلك، بل المراد منه لا تُنَاظِرْهُمْ بالكلام.
قوله :﴿يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ﴾ " يوم " منصوب إما بـ " اذكر " مضمرةً وهو أقربها.
وإليه ذهب الرُّمَّانيُّ، والزمخشري وإما بـ " يَخْرُجُونَ " بعده.
وإليه ذهب الزمخشري أيضاً، وإما بقوله :" فَمَا تُغْنِ " ويكون قوله :" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ " اعتراضاً، وإما منصوباً بقوله :" يَقُولُ الْكَافِرُونَ ".
وفيه بعدٌ لبعده عنه.
وقيل : تم الكلام عند قوله :﴿فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ﴾ [القمر : ٥] ويبتدأ بقوله :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ﴾ فيكون منصوباً بقوله :" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ".
وهو ضعيفٌ جداً ؛ لأن المعنى ليس أمره بالتولية عنهم في يوم النفخ في الصور، وإمَّا منصوب بحذف الخافض أي فتول عنهم إلى يوم.
قاله الحسين وضعف من حيثُ اللَّفْظ ومن حيث المعنى أما اللفظ، فلأن إسقاط الخافض غير
٢٣٥
منقاس، وأما المعنى فليس تَوَلِّيهِ عنهم مُغَيًّا بذلك الزمان، وإما بانْتظرْ مضمراً، فهذه سبعة أوجه في ناصب " يوم ".
قال القرطبي : أو منصوب بـ " خُشَّعاً " أو على حذف حرف الفاء وما عملت فيه من جواب الأمر تقديره : فتول عنهم فإن لهم يوم يدع الدَّاعِ.
وقيل : أي تول عنهم يا محمد فقد أقمت الحجة، وأبصرتهم يوم يدع الداع.
وقيل : أعرض عنهم يوم القيامة ولا تسأل عنهم وعن أحوالهم فإنهم يدعون إلى شيء نكر وينالهم عذاب شديد كقولك : لا تَسَلْ ما جرى على فلان إذا أخبرته بأمر عظيم.
وقيل : أي وكل أمر مستقر يوم يدع الداعي.
وحذفت الواو من " يَدْعُ " خَطًّا اتباعاً للفظ كما تقدم في " تغن " و ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى : ٢٤] وشبهه.
والياء من " الدَّاع " مبالغة في التخفيف إجراء " لأل " مُجْرَى ما عاقبها وهو التنوين، فكما تحذف الياء مع التنوين كذلك مع ما عاقبها.
قوله :" الدَّاعِي " معرف كالمنادي في قوله :﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ [ق : ٤١] ؛ لأنه معلوم قد أخبر عنه فقيل : إن منادياً ينادي وداعياً يدعو.
قيل : الداعي : إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس، قاله مقاتل.
وقيل : جبريل.
وقيل : ملك يوكَّل بذلك.
والتعريف حينئذ لا يقطع حدّ العلمية ويكون كقولنا : جَاءَ رَجُلٌ فَقَال الرَّجُلُ.
قاله ابن الخطيب.
قوله :﴿إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾ العامة على ضم الكاف، وهو صفة على فُعُلٍ، وفُعُلٌ في الصِّفات عزيزٌ منه : أمرٌ نُكُرٌ، ورجل شُلُلٌ وناقة أُجُدٌ، ورَوضةٌ أُنُفٌ ومِشْيَةٌ سُجُحٌ.
٢٣٦
وقرأ ابن كثير بسكون القاف، فيحتمل أن يكون أصلاً، وأن يكون مخففاً من قراءة الجماعة.
وقد تقدم ذلك محرراً في العُسْر واليُسْر في سورة المائدة.
وسمي الشديد نكراً، لأن النفوس تنكره، قال مالك بن عوف : ٤٥٨٣ - أَقْدِمْ نَجَاحُ إنَّه يَوْمٌ نُكُرْ
مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ يَحْمِي وَيَكِرْ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٣٥
وقرأ زيد بن علي والجحدري وأبو قِلاَبَة : نُكِرَ فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول، لأن " نكر " يتعدى ؛ قال تعالى :﴿نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ [هود : ٧٠].
فصل المعنى إلى شيء منكر فظيع، لم ير مثله فينكرونه استعظاماً، قال ابن الخطيب : وهو يحتمل وجهين : أحدهما : أن المعنى إلى شيء نكر في يومنا هذان لأنهم أنكروه أي يوم يدع الداعي إلى الشيء الذي أنكروه يَخْرُجُونَ.
الثاني : أن المعنى منكر أي يقول القائل كان ينبغي أن لا يقع ولا يكون لأن المنكر من شأنه أن لا يوجد يقال : فلان ينهى عن المنكر، وعلى هذا فهو عندهم كان ينبغي أن لا يقع، لأنه يُرْدِيهم في الهاوية.
فإن قيل : ما ذلك الشيء النكر ؟ فأجيب : بأنه الحساب، أو الجمع له، أو النشر للجمع.
فإن قيل : النشر لا يكون منكراً، فإنه إحياء، لأن الكافر من أين يعرف وقت النشر ما يجري عليه لينكره.
فالجواب : أنه يعلم ذلك لقوله تعالى عنهم :﴿يا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا﴾ [يس : ٥٢].
قوله :" خَاشِعاً أَبْصَارُهُمْ " قرأ أبو عمرو والأخوان خاشعاً، وباقي السبعة خُشَّعاً، فالقراءة الأولى جارية على اللغة الفصحى من حيث إنَّ الفعلَ وما جرى مجراه إذا قدم على الفاعل وُحِّدَ تقول : تَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ، ولا تقول : يَخْشَعْنَ أَبْصَارُهُمْ، وأنشد ( - رحمة الله عليه - ) :
٢٣٧
٤٥٨٥ - وَشَبَابٍ حَسَنٍ أَوْجُهُهُمْ
مِنْ إِيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدْ
وقال آخر : ٤٥٨٥ - تَلْقَى الفِجَاجَ بِهَا الرُّكْبَانُ معْتَرِضاً
أَعْنَاقَ بُزَّلِهَا مُرْخًى لَهَا الْجُدُلُ
وأما الثانية فجاءت على لغة طَيِّئٍ، يقولون : أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، وقد تقدم القول على ذلك في المائدة والأنبياء ومثله قوله : ٤٥٨٦ - بِمُطَّرِدٍ لَدْنٍ صِحَاحٍ كُعُوبُهُ
وَذِي رَوْنَقٍ عَضْبٍ يَقُدُّ الْقَوَانِسَا