وقرأ يزيد بن رومان وعيسى وقتادة : كَفَرَ، مبنياً للفاعل.
والمراد بـ " مَنْ " حينئذ قَومُ نوح.
و " كَفَر " خبر كان.
وفيه دليل على وقوع خبر كان ماضياً من غير قد.
وبعضُهمْ يقول : لا بد من (قد) ظاهرةً أو مضمرة.
ويجوز أن تكون كان مزيدة، وأما كفرهم ففيه وجهان : أحدهما : أن يكون " كَفَرَ " مثل شَكَرَ تعدى بحرف وبغير حرف، يقال : شَكَرْتُهُ وشَكَرْتُ لَهُ، قال تعالى :﴿وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة : ١٥٢].
وقال :﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾ [البقرة : ٢٥٦].
الثاني : أن يكون من الكفر لا من الكُفْرَان أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه، أو جزاء لمن كفر به.
فصل المعنى فعلنا به من إنجاء نوح وإغراق قومه ثواباً لمن كفر به وجُحِدَ أمره وهو نوح - عليه الصلاة والسلام -.
وقيل :" مَنْ " بمعنى " ما " أي جزاء لما كان كفر من أيادي ونقمة عند الذين غرقهم، وجزاء لما صنع بنوحٍ وأصحابه.
واللام في " لِمَنْ " لام المفعول له.
والجزاء هنا بمعنى العقاب أي عقاباً لكفرهم.
قوله :﴿وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً﴾ ضمير تركناها إمَّا للقصة أو للفِعْلَة التي فعلناها آية يعتبر بها، أو السفينة.
وهو الظاهر.
والمعنى تركناها أي أبقاها الله بباقِرْدى من أرض الجزيرة آيةً أي عبرة حتى نظرت إليها أوائلُ هذه الأمة، وكانت على الجُوديِّ.
وقيل : بأرض الهِنْدِ، ومعنى تركناها أي جعلناها، لأنها بعد الفراغ منها صارت متروكة ومجعولة.
٢٥١
قوله :﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أصله " مُدْتَكر " فأبدلت التاء دالاً مهملة، ثم أبدلت المعجمة مهملة لمقارنتها وقد تقدم هذا في قوله :﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف : ٤٥].
وقد قرئ " مُدْتَكِرٍ " بهذا الأصل.
وقرأ قتادة فيما نقل عنه أبو الفضل - مُدَكَّرٍ - بفتح الدال مخففة وبتشديد الكاف، من دَكَّر بالتشديد أي دَكَّر نَفْسَه أو غَيرَه بما بمضى من قصَصِ الأولين.
ونقل عنه ابن عطية كالجماعة إلا أنه بالذَّال المعجمة، وهو شاذ لأن الأَوَّلَ يُقْلَبُ للثَّانِي، لا الثاني للأول.
روى زُهَيْرٌ عن أبي إِسْحَاقَ أنه سمعَ رجُلاً يسأل الأسود : فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أو مِنْ مذَّكِرٍ، قال : سمعت عبد الله يقرأها : فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ دالاً.
فصل وهذه الآية إشارة إلى أن الأمر من جانب الرسل قد تَمَّ، ولم يبق إلا جانب المُرْسَلِ إِليهم بأن يتفكروا ويهتدوا.
وهذا الكلام يصلح أن يكون حثاً وأن يكون تخويفاً وزجراً، وقال ابن الخطيب : مُدَّكِرٌ مُفْتَعِلٌ من ذَكَرَ يَذْكُرُ وأصله مُذْتكرٌ.
وقرأ بعضهم بهذا الأصل.
ومنهم من يقلب التاء دالاً.
وفي قوله : مدّكِر إشارة إلى قوله :﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ﴾ [الأعراف : ١٧٢] أي هل ممن يتذكر تلك الحالة ؟ وإما إلى وضوح الأمر كأنه جعل للكل آيات الله فنَسُوها، فهل من متذكر يتذكر شيئاً منها ؟.
قوله :﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ كان الظاهر فيها أنها ناقصة (و) " فَكَيْفَ " خبر مقدم.
وقيل : يجوز أن تكون تامة، فتكون " كَيْفَ " في محل نصب إما على الظرف وإِمَّا على الحال كما تقدم تحقيقه في البقرة.
٢٥٢
فصل وحذفت ياء الإضافة من " نُذُر " كما حذفت ياء " يَسْر " في قوله تعالى :﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر : ٤] ؛ وذلك عند الوقف، ومثله كثير، كقوله :﴿فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ [العنكبوت : ٥٦] ﴿وَلاَ يُنقِذُونَ﴾ [يس : ٢٣] ﴿يا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر : ١٦] ﴿وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة : ١٥٢] وقرئ بإثبات الياء في :" عَذَابِي ونُذُرِي ".
قوله :﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ﴾ هيأناهُ " لِلذِّكْرِ " من قولهم :" يَسَّرَ فَرَسَهُ " أي هَيَّأَهُ للركوب بإِلجامه، قال : ٤٥٩٨ - فَقُمْتُ إِلَيْهِ باللِّجَامِ مُيَسِّراً
هُنَالِكَ يَجْزِيني الَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقيل : سهلنا القرآن ليتذكر ويعتبر به.
وقال سعيد بن جبير : يسرناهُ للحفظ والقراءة، وليس شيء من كتب الله يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن.
وقوله :﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ مُتَّعِظٍ بمواعظه.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٤٣