الصريحة.
ويجاب : بأن " مِنَّا " حينئذ ليس وصفاً بل حال من " وَاحِداً " قُدِّمَ عليه.
والثاني : أنه نصب على الحال من هاء " نَتَّبِعُهُ ".
وهو يَخْلُصُ من الإعراب المتقدم، إِلا أنَّ المرجع لكونه صفة قراءتهما مرفوعين :﴿أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ﴾ على ما سيأتي، فهذا يرجّح كون " واحداً " نعتاً " لبَشَرٍ " لا حالاً.
وقرأ أبُو السَّمَّال فيما نقل الهُذَلِيُّ والدَّانِيّ برفعهما على الابتداء، و " وَاحِدٌ " صفته و " نَتَّبِعُهُ " خبره.
وقرأ أبو السَّمَّال أيضاً فيما نقل ابن خالويه، وأبو الفضل وابن عطية : برفع " بشر " ونصب " واحداً " وفيه أوجه : أحدها : أن يكون " أَبَشَرٌ " مبتدأ وخبره مضمر تقديره : أَبَشَرٌ منا يُبْعَثُ إِلينا أو يُرْسَل.
وأما انتصاب " واحداً " ففيه وجهان : أحدهما : أنه حال من الضمير المستتر في (مِنَّا) لأنه وقع نعتاً.
الثاني : أنه حال من هاء " نَتَّبِعُهُ ".
وهذا كله تخريج أبِي الفضل الرَّازيِّ.
والثاني : أنه مرفوع بالابتداء أيضاً، والخبر " نَتَّبِعُهُ " و " واحداً " حال على الوجهين المذكورين آنفاً.
الثالث : أنه مرفوع بفعل مضمر مبني للمفعول تقديره : أَيُنَبَّأُ بَشرٌ، و(مِنَّا) نعت و(واحداً) حال أيضاً على الوجهين المذكورين آنفاً.
وإليه ذهب ابن عطية.
فصل قال ابن الخطيب : والحكمة في تأخير الفعل في الظاهر أن البليغ يُقَدِّمُ في الكلام ما يكون تعلق غرضه به أكثر والقوم كانوا يريدون بيان كونهم محقِّين في ترك الاتّباع، فلو
٢٦٠
قالوا : أَنَتَّبِعُ بَشَراً أمكن أن يقال : نعم اتَّبِعُوهُ، وماذا يمنعكم من اتباعه ؟ فإذا قدمنا حاله وقالوا : هو من نوعنا بشر من صِفَتِنَا رجل ليس غريباً نعتقد فيه أنه يَعْلَمُ ما لا نَعْلَمُ أو يَقْدِرُ على ما لا نَقْدِرُ وهو واحد وليس له جندٌ ولا حَشَمٌ ولا خَدَمٌ ولا خيلٌ وهو وحيد ونحن جماعة فكيف نتبعه ؟ ! فيكونون قد قدموا الموجب لجواز الامتناع عن اتباعه.
وفي الآية إشاراتٌ إلى ذلك، منها تنكيره حيث قالوا : أَبَشَراً، ولم يقولوا : أَرَجُلاً، ومنها : قولهم : مِنَّا وهو يحتمل أمرين : أحدهما : من صنفنا ليس غريباً.
والثاني :" مِنَّا " أي تَبَعنَا ؛ لأن " مِنْ " للتبعيض والبعض يتبع الكل، لا الكل يتبع البعض.
ومنها قولهم :" واحداً "، وهو يحتمل أمرين أيضاً : أحدهما : وحيداً إشارةً إلى ضعفه.
وثانيهما : واحداً أي هو من آحاد النَّاس أي هو ممَّنْ ليس بمشهور بحَسَبٍ ولا نَسَبٍ، إذا حَدَّث لا يُعْرَفُ ولا يمكن أن يقال عنه : قَال فلانٌ، بل يقال : قال واحدٌ، وذلك غاية الخُمول، أو لأن الأرذَلَ لا يَنْضَمُّ إليه أحد.
قوله :﴿إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ﴾ خَطَأٍ، وذهاب عن الصواب " وَسُعُرٍ " (قال ابن عباس : عذاب.
وقال الحسن : شدة العذاب.
وقال قتادةً : عَنَاء).
" وسُعُر " يجوز أن يكون مفرداً أي جُنُون يقال : نَاقَةٌ مَسْعُورَةٌ أي كالمجنونة في سيرها، قال الشاعر ( - رحمةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - ) : ٤٦٠٠ - كَأَنَّ بِهَا سُعْراً إذَا السُّعْرُ هَزَّهَا
ذَمِيلٌ وَإِرْخَاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٥٩
وأن يكون جمع " سَعِيرٍ " وهو النار.
قاله سفيان بن عُيَيْنة.
والاحتمالان منقولان عنه.
٢٦١
والمعنى : إِنَّا إذَنْ لَفِي عَنَاءٍ وعذاب مما يلزمنا مِنْ طاعته.
وقال وَهْبٌ : معناه : بُعْدٌ عن الحَقِّ.
قوله :﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا﴾ معناه أأنزل عليه الذكر، وهُو الوحي " مِنْ بَيْنِنَا " حال من هاء " عليه "، أي ألقي عليه منفرداً من بيننا أي خصص بالرسالة من بين آلِ ثمود وفيهم من هو أكثر مالاً وأحسن حالاً.
وهو استفهام بمعنى الإنكار.
قوله :﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾ الأشِرُ البَطِرُ، يقال : أَشِرَ يأشَرُ أَشَراً فَهُو أشِرٌ كَفِرحَ، وآشِرٌ كَضَارِبٍ وأَشْرَانُ كَسَكْرَانَ، وأُشَارَى كَأُسَارَى.
وقرأ أبو قِلاَبَةَ :﴿بل هو الكَذَّابُ الأَشَرُّ﴾، ﴿مَنِ الكَذَّابُ الأَشَرُّ﴾ ؟ بفتح الشين وتشديد الراء، جَعَلَهُمَا أفعلَ تَفْضِيلٍ.
وهو شاذ، لأنه (لم) يحْذف الهمزة من لفظ الخَيْرِ والشّرّ في " أفعل " التفضيل، تقول : زَيْدٌ خَيْرٌ مِنْ عَمْرو وشَرٌّ مِن بَكْرٍ، ولا تقول : أخْيَرُ ولا أَشَرّ إلاَّ في نُذُورٍ كهذه القراءة وكقول رؤبة :
٤٦٠١ - بِلاَلُ خَيْرُ النَّاسِ وَابْنُ الأَخْيَرِ
وتثبت فيهما في التعجب نحو : ما أَخْيَرَهُ ومَا أَشَرَّهُ.
ولا يحذف إلى في نُدَورٍ عكس أفعل التفضيل، قالوا : مَا خَيْرَ اللَّبَنَ للصّحيح، وَمَا شَرَّهُ لِلْمَبطُونِ.
وهذا من محاسن الصِّناعة.
وقرأ أبو قَيْس الأَوْدِيُّ ومجاهدٌ الحرف الثاني الأشُرُ بثلاث ضمات، وتخريجها على أن فيه لغةً أُشُر بضم الشين كحُذُر وَحَذُر، ثم ضمت الهمزة إِتباعاً لضمِّ الشين.
ونقل الكسائي عن مجاهد ضم الشين وفتح الهمزة على أصل تِيكَ اللغة كَحَذُرٍ.
٢٦٢