فصل (الأَشر) التحيّر والنشاط، يقال : فَرَسٌ أَشِرٌ إذا كان مَرِحاً نَشِطاً.


قال امرؤ القيس يصف كلباً : ٤٦٠٢ - فَيُدْرِكُنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ
سَمِيعٌ بَصِيرٌ طَلُوبٌ نَكِرْ
أَلَصّ الضُّرُوسِ حَنِيُّ الضُّلُوعِ
تَبُوعٌ أَرِيبٌ نَشِيطٌ أَشِرْ
(و) قيل : إنه المتعدي إلى منزلةٍ لا يستحقها.
وقال ابن زيد وعبد الرحمن بن حماد : الأَشِرُ الذي لا يُبَالِي ما قال.
وفي قراءة أبي قلابة بفتح الشين وتشديد الراء فالمعنى أَشَرُّنَا وأَخْبَثُنَا.
فإن قيل : قولهم : بل هو كذاب يستدعي أمراً مضروباً عنه فما هو ؟ فالجواب : قولهم : أألقي للإنكار فكأنهم قالوا : مَا ألقي، ثم إنَّ قولَهم : أألقي عليه الذكر لا يقتضي إلا أنه ليس بِنبِيٍّ، وقول القائل : ليس بِنبي لا يلزم منه أنه كاذب فكأنهم قالوا ليس بنبي، ثم قالوا : بل هو ليس بصادقٍ.
قوله :" فَسَيَعْلَمُونَ " قرأ ابنُ عامر وحمزةُ بالخطاب.
وفيه وجهان : أحدهما : أنه حكاية قول صالح لقومه.
والثاني : أنه خطاب الله على جهة الالتفات.
والباقون بياء الغيبة جَرْياً على الغيب قبله في قوله :" فَقَالُوا أَبَشراً "، واختارها مَكِّيٌّ، قال : لأن عليها الأكثر.
و " غَداً " ليس المراد به الذي يلي يومك بل الزمان المستقبل، كقول الطِّرمَّاح (رحمةُ الله عليه ورضاه) : ٤٦٠٣ - أَلاَ عَلِّلاَنِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ
وَقَبْلَ اضْطِرَابِ النَّفْسِ بَيْنَ الجَوَانِحِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٥٩
وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى غَدٍ
إذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْتُ بِرَائِحِ
٢٦٣
والمعنى " سَيَعْلَمُونَ غَداً " حين يَنْزِلُ عليهم العذاب.
قال الكلبي : يعني يوم القيامة.
وذكر الغد للتقرِيبِ على عادة الناس يقولون : إنَّ مَعَ الْيَوْم غَداً.
فصل الكذَّاب فعال صيغة مبالغة، لأن المنسوب إلى الشيء لا بدَّ له من أن يكثر من مزاولة الشيء، فإنَّ من خاط يوماً لا يقال له : خيَّاط فالمبالغة ههنا إما في الكثرة بأن يكون كثيرَ الكذب، وإمّا في الشدة أي شديد الكذب، يقول ما لا يقبله العقل.
ويحتمل أن يكونوا وصفوه بذلك لاعتقادهم الأمرين جميعاً.
وقولهم " أشِرٌ " إشارة إلى أنه كذب لا لضرورة وحاجة وإنما هو استغنى فبَطَرَ وطلب الرِّئَاسَةَ.
قوله :﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ﴾ أي مُخْرِجُوها من الهَضَبَة التي سألوا.
وأتى باسم الفاعل والإضافة مبالغة في حقيقته كأنه وقع " فِتْنَةً " مفعول به، أو مصدر من معنى الأول أو في موضع الحال.
روي أنهم تنعتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقةً حمراءَ عُشَرَاءَ، فقال الله :﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ﴾ محنةً واختباراً ؛ فقوله :" فتنة " مفعول له ؛ لأن المعجزة فتنة ؛ لأن بها يتميز المُثَابُ من المعذب، فالمعجزة تصديق، وحينئذ يفترق المصدِّق من المُكَذِّب.
أو يقال : إخراج الناقة من الصخرة معجزة، ودورانها بينهم، وقسمة الماء كان فتنةً، ولهذا قال :" إنَّا مُرْسِلُو " ولم يقل : مُخْرِجُو.
قوله :" فَارْتَقِبْهُمْ " أي انتظر ما يصنعون " وَاصْطَبِرْ " أي اصبر على أَذَاهُمْ وأصل الطاء في " اصْطَبِرْ " " تاء " فتحولت طاءً، لتكون موافقةً للصاد في الإطباق.
قوله :" وَنَبِّئْهُمْ " أي أخبرهم ﴿أَنَّ الْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ أي بين آل ثمود وبين الناقة لها يوم ولهم يوم، كقوله تعالى :﴿لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾ [الشعراء : ١٥٥] فالضمير في (بينهم) لقوم صالح والناقة فغلّب العاقل.
وقرأ العامة : قِسْمة بكسر القاف - ورُوِيَ عن أبي عمرو فَتْحُها - وهو قياس
٢٦٤


الصفحة التالية
Icon