المرة.
والمعنى : أن الماءَ مقسومٌ بَيْنَهُمْ فوصف بالمصدر مبالغة، كقولك : فُلانٌ عَيْنُ الكرم.
قوله :﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ أي يحضره من هُو له، فالناقة تحضر الماء يوم وُرُودِهَا وتغيب عنهم يوم وُرُودِهِمْ.
قاله مقاتل.
وقال مجاهد : إن ثمود يحضرون الماء يوم غَبِّها عنهم فيشربون، ويحضرون اللبن يوم ورودها فيحتلبون.
والشِّرْبُ - بالكسر - الحظ من الماء.
وفي المثل : آخرها أقلُّها شِرْباً وأصله من سقي الإناء، لأن آخرها يرد وقد نَزفَ الحَوْضُ.
واعلم أن قسمة الماء إما لأن الناقة عظيمةُ الخَلْق ينفر منها حيواناتهم فكان يوم للناقة ويوم لهم، وإما لقلة الماء فلا يحملهم، وإما لأن الماء كان مقسوماً بينهم لكل فريق منهم فيوم وُرُودِ الناقة على هؤلاء يرجعون على الآخرين وكذلك الآخرون فيكون النُّقْصَان على الكل، ولا تختص الناقة بجميع الماء.
رُوِيَ أنهم كانوا يكتفون في يوم ورودها بلبنها، وليس في الآية إلا القسمة دون كيفيتها، وظاهر قوله تعالى :﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾ يعضد الوجه الثالث، وحَضَر واحْتَضَرَ بمعنًى واحد.
قوله :" فَنَادَوْا صَاحِبَهْم " قبله محذوف أي فتمادوا على ذلك ثم عزموا على عقرها فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر.
و " تعاطى " مطاوع عَاطَى كأنهم كانوا يتدافعون ذلك حتى تولاه أشقاها.
والمعنى فنادوا صاحبهم نداء المُسْتَغِيث وهو قُدار بنُ سَالف وكان أشجعهم.
وقيل : كان رئيسهم.
فتعاطى أي آلةَ العقر أو الناقةَ، أو هو عبارة عن الإقدام على الفعل العظيم.
وتحقيقه أن الفعلَ العظيمَ يتبرأ منه كُلُّ أحد ويعطيه صاحبَه أو جَعَلُوا لَهُ جُعْلاً فَتعَاطَاهُ.
قال مُحَمَّدُ بن إسْحَاقَ : كمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها فانتظم به عضلة ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورَغَتْ رغاة واحدة، ثم نَحَرَها.
قال ابن عباس : كان الذي عقرها أحمر أشقر أكشف أقعى يقال له : قُدار بن سالف.
والعرب تسمي الجَزَّار قُدَاراً تشبيهاً بقُدار بْنِ سالف مشؤوم آل ثمود، قال مهلهل : ٤٦٠٤ - إنَّا لَنَضْرِبُ بالسُّيُوف رُؤوسَهُمْ
ضَرْبَ القُدَارِ نَقِيعَةَ القُدَّامِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٥٩
٢٦٥
قوله :﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ يريد صيحة جبريل كما تقدم ﴿فَكَانُواْ كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾ العامة على كسر الظاء اسم فاعل وهو الذي يتخذه حظيرةً من حَطَب وغيره.
وقرأ أبو السَّمال وأبو حَيْوة وأبو رجاء وعمرُو بن عُبَيْد بفتحها.
فقيل : هو مصدر أي كَهَشِيم الاحْتِظَارِ.
وقيل : هو اسم مكان.
وقيل : هو اسم مفعول وهو الهَشِيمُ نفسه، ويكون من باب إضافة الموصوف لصفته كمَسْجِدِ الجَامِعِ.
والحَظْر المَنْع، وقد تقدم تحريره في " سُبْحَانَ ".
فصل " كان " في قوله " فكانوا " قيل : بمعنى صاروا كقوله : ٤٦٠٥ -.............................
كَانَت فِرَاخاً بُيُوضُهَا
أي صارت.
والهشيم : المهشوم المكسور، ومنه سمي هاشِمٌ لهشمه الثَّرِيد في الجفان غير أن الهشيم يستعمل كثيراً في الحطب المتكسر اليابس.
قال المفسرون : كانوا كالخشب المُنْكَسِرِ الذي يخرج من الحظائر بدليل قوله :﴿هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ﴾ [الكهف : ٤٥] وهو من باب إقامة الصّفة مقام الموصوف.
وتشبيههم بالهشيم إما لكونهم يابسين كالموتى الذين ماتوا من زمان، أو لانضمام بعضهم إلى بعض، كما ينضم الرفقاء عند الخوف يدخل بعضهم في بعض، فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كما يجمع الحاطب الحَطَبَ يصف شيئاً فوق شيء منتظراً حضور من يشتري منه.
ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوَقِيد كقوله تعالى :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء : ٩٨] وقوله :﴿فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [الجن : ١٥].
٢٦٦