وقيل : ما كان وما يكون ؛ لأنه ينبئ عن الأولين، والآخرين، ويوم الدين.
وقال الضحاك :" البيان " : الخير والشر وقال الربيع بن أنس : هو ما ينفعه مما يضره.
وقيل : المراد بـ " الإنسان " جميع الناس، فهو اسم للجنس، والبيان على هذا الكلام : الفهم وهو مما فضل به الإنسان على سائر الحيوان.
قال السدي : علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به.
وقال يمان : الكتابة والخط بالقلم نظيره ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق : ٤، ٥].
فصل في كيفية النظم إنه علم الملائكة أولاً، ثم خلق الإنسان، وعلمه البيان، فيكون ابتدأ بالعلوي، وقابله بالسفلي، وقدم العلويات على السفليات، فقال :" علم القرآن " إشارة إلى تعليم العلويين.
ثم قال :﴿خَلَقَ الإنسانَ، علَّمهُ البيانَ﴾ إشارة إلى تعليم السفليين، وقال :﴿والشمس والقمر بحسبان﴾ [في العلويات] ﴿والنجم والشجر يسجدان﴾ [في السفليات].
ثم قال :﴿وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا﴾ [الرحمن : ٧]، وفي مقابلتها ﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا﴾ [الرحمن : ١٠].
فصل في وصل هذه الجمل هذه الجمل من قوله :﴿عَلَّمَ القُرآنَ، خلق الإنْسَانَ، علَّمه البيان﴾ جيء بها من غير عاطف ؛ لأنها سيقت لتعديد نعمه، كقولك :" فلان أحسن إلى فلان، أشاد بذكره، رفع من قدره " فلشدة الوصل ترك العاطف، والظاهر أنها أخبار.
وقال أبو البقاء : و " خَلَقَ الإنْسَانَ " مستأنف، وكذلك " علَّمَهُ "، ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان مقدرة، وقدَّر معها مرادة انتهى.
وهذا ليس بظاهر، بل الظاهر ما تقدم، ولم يذكر الزمخشري غيره.
فإن قيل : لم قدم تعليم القرآن للإنسان على خلقه، وهو متأخر عنه في الوجود ؟.
٢٩٤
فالجواب : لأن التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه.
فإن قيل : كيف صرح بذكر المفعولين في " علَّمهُ البَيانَ "، ولم يصرح بهما في " علَّم القُرآن " ؟.
فالجواب : أن المراد من قوله " علَّمه البَيَانَ " تعديد النِّعم على الإنسان، واستدعاء للشكر منه، ولم يذكر الملائكة ؛ لأن المقصود ذكر ما يرجع إلى الإنسان.
فإن قيل : بأنه علم الإنسان القرآن.
فيقال : بأن ذكر نعمة التعليم وعظمها على سبيل الإجمال، ثم بين كيفية تعليمه القرآن، فقال :﴿خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ﴾.
واستدلّ بعضهم بهذه الآية على أن الألفاظ توقيفية.
قوله :﴿والشمس والقمر بحسبان﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الشمس مبتدأ، و " بِحُسْبَان " خبره على حذف مضاف، تقديره : جري الشمس والقمر بحسبان، أي كائن، أو مستقر، أو استقر بحُسْبَان.
الثاني : أن الخبر محذوف يتعلق به هذا الجار، تقديره : يجريان بحُسْبَان.
وعلى هذين القولين، فيجوز في الحسبان وجهان : أحدهما : أنه مصدر مفرد بمعنى " الحُسْبان "، فيكون كـ " الشُّكْران " و " الكُفْران ".
والثاني : أنه جمع حساب، كـ " شهاب " و " شُهْبَان ".
والثالث : أن " بحسبان " خبره، و " الباء " ظرفية بمعنى " في " أي : كائنان في حسبان.
وحسبان على هذا اسم مفرد، اسم للفلك المستدير، مشبهة بحسبان الرَّحَى الذي باستدارته تدور الرّحى.
٢٩٥
فصل لما ذكر خلق الإنسان وإنعامه عليه لتعليمه البيان، ذكر نعمتين عظيمتين، وهما : الشمس والقمر، وأنهما على قانون واحد وحسابٍ لا يتغيران، وبذلك تتم منفعتهما للزراعات وغيرها، ولولا الشمس لما زالت الظلمة، ولولا القمر لفات كثير من المنافع الظاهرة، بخلاف غيرهما من الكواكب، فإن نعمها لا تظهر لكل أحد مثل ظهور نعمتهما، وأنهما بحساب لا يتغير أبداً، ولو كان مسيرهما غير معلوم للخلق لما انتفعوا بالزِّراعات في أوقاتها، ومعرفة فصول السَّنة.
ثم لما ذكر النعم السماوية وذكر في مقابتلها أيضاً نعمتين ظاهرتين من الأرض، وهما : النبات الذي لا ساق له، وما له ساق ؛ لأن النبات أصل الرزق من الحبوب والثمار، والحشيش للحيوان.
وقيل : إنما ذكر هاتين النعمتين بعد تعليم القرآن إشارة إلى أن من الناس من لا تكون نفسه زكيّة، فيكتفي بأدلة القرآن، فذكر له آيات الآفاق، وخص الشمس والقمر ؛ لأن حركتهما بحسبان تدل على الفاعل المختار.
ولو اجتمع العالم ليبيّنوا سبب حركتهما على هذا التقدير المعين لعجزوا، وقالوا : إن الله حركهما بالإرادة كما أراد.
وقيل : لما ذكر معجزة القرآن بإنزاله أنكروا نزول الجرم من السماء وصعوده إليها، فأشار تعالى بحركتهما إلى أنها ليست بالطبيعة.
وهم يقولون بأن الحركة الدّورية من أنواع الحركات لا يكون إلا اختيارياً، فقال تعالى : من حرّكهما على الاستدارة أنزل الملائكة على الاستقامة، والثقيل على مذهبكم لا يصعد، وصعود النَّجم والشجر إنما هو بقدرة الله تعالى، فحركة الملك كحركة الفلك جائزة.
فصل في جريان الشمس والقمر قال المفسرون :[المعنى] يجريان بحسبان معلوم فأضمر الخبر.
قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك : يجريان بحساب في منازل لا تعدوها ولا يحيدان عنها.
٢٩٦