وقيل : الخطاب مع الإنس والجن، والنعمة منحصرة في دفع المكروه، وتحصيل المقصود، وأعظم المكروهات عذاب جهنم، و ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ [الحجر : ٤٤]، وأعظم المقاصد : نعيم الجنة، ولها ثمانية أبواب، فالمجموع خمسة عشر، وذلك بالنسبة للجن والإنس ثلاثون، والزائد لبيان التأكيد ".
روى جابر بن عبد الله، قال :" قرأ علينا رسول الله ﷺ سورة " الرحمن " حتى ختمها، ثم قال :" مَا لِي أراكُمْ سُكُوتاً ؟ للجِنُّ كانُوا أحسنَ مِنكُم رَدًّا ؛ ما قرأتُ عليهمِ هذهِ الآية مرَّة :﴿فَبِأَيِّ آلا ااءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلا قالوا : ولا بِشيءٍ من رحْمَتِكَ ربَّنا نكذِّبُ، فلكَ الحمد ".
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٢٩١
قوله :﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾.
لما ذكر الله - تعالى - خلق العالم الكبير من السماء والأرض، وما فيها من الدلالات على وحدانيته وقدرته، ذكر خلق العالم الصَّغير، فقال :﴿خَلَقَ الإِنسَانَ﴾.
قال المفسرون : يعني : آدم من صلصال وهو الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة، وشبهه بالفخَّار الذي طبخ.
وقيل : هو طين خلط برملٍ.
وقيل : هو الطين المُنتنُ، من صلَّ اللحم وأصلَّ : إذا أنْتَنَ.
وقال هنا :﴿صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾.
وقال في " الحجر " :﴿مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ [الحجر : ٢٦] وقال :﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ﴾ [الصافات : ١١].
وقال :﴿كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ [آل عمران : ٥٩].
وكله متفق المعنى، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض، فعجنه فصار طيناً، ثم انتقل فصار كالحَمَأ المسنون، ثم يبس فصار صلصالاً كالفخار.
٣١٣
فقوله :" كالفخَّار " نعت لـ " صَلْصَالٍ ".
وتقدم تفسيره.
قوله :﴿وَخَلَقَ الْجَآنَّ﴾.
قيل هو اسم جنس كالإنسان.
وقيل : هو أبو الجن " إبليس ".
وقيل : هو أبوهم، وليس بـ " إبليس ".
قوله :﴿مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ " من " الأولى لابتداء الغاية.
وفي الثانية وجهان : أحدهما : أنها للبيان.
والثاني : أنها للتبعيض.
و " المَارِجُ " : قيل : ما اختلط من أحمر وأصفر وأخضر، وهذا مشاهد في النار ترى الألوان الثلاثة مختلطاً بعضها ببعض.
وقيل : الخالص.
وقيل : الأحمر وقيل : الحمرة في طرف النَّار.
وقيل المختلط بسواد.
وقيل : اللهب المضطرب.
وقال الليث :" المارج " : الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه اللهب الذي يعلو النَّار، فيختلط بعضه ببعض أحمر وأخضر وأصفر، ونحوه عن مجاهد.
وقيل :" المَارِجُ " المرسل غير ممنوع.
قال المبرد :" المارج " : النار المرسلة التي لا تمنع.
وقال أبو عبيدة والحسن :" المارج " : المختلط النار، وأصله من مرج إذا اضطرب، واختلط.
قال القرطبي : يروى أن الله - تعالى - خلق نارين، فمرج إحداهما بالأخرى، فأكلت إحداهما الأخرى، وهي نار السَّمُوم، فخلق منها " إبليس ".
٣١٤
قال القشيري :" والمارج " في اللغة : المرسل أو المختلط، وهو فاعل بمعنى مفعول كقوله :﴿مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق : ٦] و ﴿عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٢١]، والمعنى :" ذو مرج ".
﴿مِّن نَّارٍ﴾ نعت لـ ﴿مَّارِجٍ﴾.
وتقدم الكلام على قوله :" فبأي آلاء " إلى آخرها.
قوله تعالى :﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾.
العامة على رفعه.
وفيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه مبتدأ، خبره ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾، وما بينهما اعتراض.
الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر، أي :" هُو ربُّ " أي : ذلك الذي فعل هذه الأشياء.
الثالث : أنه بدل من الضمير في " خلق ".
وابن أبي عبلة :" ربّ " بالجر، بدلاً أو بياناً لـ " ربّكما ".
قال مكي : ويجوز في الكلام الخفض على البدل من " ربكما "، كأنه لم يطلع على أنها قراءة منقولة.
و " المشرقان " : قيل : مشرقا الشتاء والصيف ومغرباهما.
وقيل : مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما، وذكر غاية ارتفاعهما، وغاية انحطاطهما إشارة إلى أن الطرفين يتناول ما بينهما كقولك في وصف ملك عظيم :(له المشرق والمغرب) فيفهم منه أن له ما بينهما.
ويؤيده قوله تعالى :﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج : ٤٠].
قوله تعالى :﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أي : خلَّى وأرسل وأهمل، يقال : مرج الناس السلطان، أي : أهملهم، وأصل المَرْج الإهمال كما تمرج الدَّابة في المَرْعى ويقال : مرج خلط.
وقال الأخفش : ويقول قوم : أمرج البحرين مثل " مرج " فيكون " فَعَلَ وأفْعَلَ " بمعنى.
و " البَحْرين " : قال ابن عباس رضي الله عنهما : بحر السماء، وبحر الأرض.
٣١٥