والآخر : يوم القيامة، فشأنه - سبحانه وتعالى - في أيام الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، وشأنه يوم القيامة : الجزاء والحساب والثواب والعقاب.
والظَّاهر أن المراد بذلك الإخبار عن شأنه في كل يوم من أيام الدنيا.
وقال عمرو بن ميمون : في قوله تعالى :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ من شأنه أن يميت حيًّا، ويحيي ميّتًا ويقرّ في الأرحام، ويعز ذليلاً، ويذلّ عزيزاً.
وقيل : من شأنه أن يولج الليل في النهار، ويولج النَّهار في الليل، ويخرج الحي من الميت، ويشفي سقيماً، ويسقم سليماً، ويبتلي معافى ويعافي مُبْتلى، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويفقر غنيًّا، ويغني فقيراً.
وقال الكلبي : هو سوق المقادير المواقيت.
وعن عبد الله بن طاهر أنه دعا الحسين بن الفضل، وقال له : أشكلت عليّ ثلاث آيات، دعوتك لتكشفها لي قوله تعالى :﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ [المائدة : ٣١] وقد صح أن الندم توبة.
وقوله تعالى :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ وصح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقوله تعالى :﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ﴾ [النجم : ٣٩] فما بال الإضعاف ؟.
فقال الحسين : يجوز ألا يكون الندم توبة في تلك الأمة، ويكون توبة في هذه الأمة ؛ لأن الله خصّ هذه الأمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم.
وقيل : إن ندم " قابيل " لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله.
وأما قوله تعالى :﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى ﴾ [النجم : ٣٩]، فمعناه : ليس له إلاَّ ما سعى عدلاً، ولي أن أجزيه بواحدة ألفاً.
وأما قوله تعالى :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فإنها شُئُون يبديها ولا يبتديها، فقام عبد الله بن طاهر وقَبَّلَ رأسه، وسوغ خراجه.
قوله تعالى :﴿سَنَفْرُغُ﴾.
قرأ :" سيفرغ " - بالياء - الأخوان، أي سيفرغ الله تعالى.
والباقون من السبعة : بنون العظمة، والرَّاء مضمومة في القراءتين، وهي اللغة الفصحى لغة " الحجاز ".
وقرأها مفتوحة الراء مع النون الأعرج، ويحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون من " فَرَغَ " بفتح الراء في الماضي، وفتحت في المضارع لأجل حرف الحَلْق.
٣٢٧
والثاني : أنه سمع فيه " فَرِغَ " - بكسر العين - فيكون هذا مضارعه، وهذه لغة " تميم " وقرأ عيسى بن عمر وأبو السمال :" سَنِفْرَغُ " - بكسر حرف المضارعة وفتح الراء.
وتوجيهها واضح مما تقدم في " الفاتحة ".
قال أبو حاتم : هذه لغة سفلى " مضر ".
والأعمش وأبو حيوة وإبراهيم :" سَيُفْرَغُ " - بضم الياء - من تحت مبنيًّا للمفعول.
وعيسى - أيضاً - بفتح نون العظمة، وكسر الراء.
والأعرج - أيضاً - بفتح الياء، ويروى عن أبي عمرو.
فصل في الكلام على فرغ قال القرطبي :" يقال : فرغتُ من الشغل أفرغُ فُرُوغاً وفَرَاغاً، وتفرَّغْتُ لكذا، واستفرغتُ مجهودي في كذا، أي : بذلته، وليس لله - تعالى - شغل يفرغ منه، وإنما المعنى : سنقصد لمجازاتكم أو محاسبتكم، فهو وعيد لهم وتهديد قاله ابن عباس والضحاك، كقول القائل لمن يريد تهديده : إذن أتفرغ لك، أي : أقصد قصدك ".
وأنشد ابن الأنباري لجرير :[الوافر] ٤٦٤٠ - ألانَ وقَدْ فَرَغْتُ إلى نُمَيْرٍ
فَهَذَا حِينَ كُنْتُ لَهُمْ عَذَابَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٢٤
وأنشد الزجاج والنحاس :[الطويل]
٤٦٤١ - فَرَغْتُ إلى العَبْدِ المُقَيَّدِ في الحِجْلِ
ويدل عليه قراءة أبيِّ رضي الله عنه :" سَنفْرُغُ إليْكُمْ " أي سنقصد إليكم.
٣٢٨