قال ابن مسعود : النحاس : المهل وقال الضحاك : هو دُرْديّ الزَّيت المغلي.
وقال الكسائي : هو النار التي لها ريح شديدة.
قوله تعالى :﴿فَلاَ تَنتَصِرَانِ﴾ أي : لا ينصر بعضكم بعضاً، يعني الجن والإنس.
وثنّى الضمير في " عَلَيْكُمَا " ؛ لأن المراد النوعان، وجمع في قوله :" إن اسْتَطعْتُمْ " ؛ لأنه خطاب للمعشر، وكذا قوله تعالى :﴿فَلاَ تَنتَصِرَانِ﴾ خطاب للحاضرين، وهم نوعان.
قوله تعالى :﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ﴾ جوابه مقدر، أي : رأيت هولاً عظيماً، أو كان ما كان.
وقوله :" فَكَانَت ورْدَةً " أي : مثل وردة.
فقيل : هي الزهرة المعروفة التي تشمّ شبهها في الحمرة.
وأنشد قول الشاعر :[الطويل] ٤٦٤٥ - فَلَوْ كُنْتُ وَرْداً لونُهُ لَعشِقْتَنِي
ولكِنَّ ربِّي شَانِنِي بِسَوَادِيَا
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٢٤
وقيل : هي من لون الفَرَس الورد يكون في الربيع إلى الصُّفرة، وفي الشتاء إلى الحُمْرة، وفي شدة البرد إلى الغبرة، فشبه تلوّن السماء بتلون الوردة من الخَيل.
وقرأ عمرو بن عبيد :" وَرْدَةٌ " بالرفع.
قال الزمخشري : فحصلت سماء وردة، وهو من الكلام الذي يسمى التَّجريد ؛ كقوله :[الكامل] ٤٦٤٦ - فَلَئِنْ بَقِيتُ لأرحلنَّ بِغَزْوَةٍ
تَحْوِي الغَنائمَ أو يَمُوتَ كَرِيمُ
قوله :" كالدِّهان " يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون نعتاً لـ " وَرْدَة "، وأن يكون حالاً من اسم " كانت ".
وفي " الدِّهَان " قولان :
٣٣٤
أنه جمع " دُهْن " نحو : قُرْط وقِرَاط، ورُمْح ورِمَاح، وهو في معنى قوله تعالى :﴿تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ﴾ [المعارج : ٨] وهو : دردي الزيت.
والثاني : أنه اسم مفرد.
فقال الزمخشري :" اسم ما يدهن به كالحزام والإدام " ؛ وأنشد :[الطويل] ٤٦٤٧ - كأنَّهُمَا مَزادَتَا مُتَعَجِّلٍ
فريَّان لمَّا تُدهَنَا بدِهَانِ
وقال غيره : هو الأديم الأحمر ؛ وأنشد للأعشى :[الوافر] ٤٦٤٨ - وأجْرَدَ مِنْ كِرامِ النَّخْلِ طَرْفٍ
كأنَّ على شَواكِلِه دِهَانَا
أي : أديماً أحمر، وهذا يحتمل أن يكون جمعاً، ويؤيده ما أنشده منذر بن سعيد :[الطويل] ٤٦٤٩ - تَبِعْنَ الدِّهَانَ الحُمْرَ كُلَّ عَشِيَّةٍ
بمَوْسمِ بَدْرٍ أو بِسُوقِ عُكَاظِ
فقوله :" الحمر " يحتمل أن يكون جمعاً، وقد يقال : هو كقولهم : أهلك الناس الدينار الحمر والدرهم البيض، إلاَّ أنه خلاف الأصل.
وقيل : شبهت بالدهان وهو الزيت لذوبها ودورانها.
وقيل : لبريقها.
فصل في معنى الآية قال المفسرون : قوله تعالى :﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ﴾ انصدعت يوم القيامة، ﴿فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾.
قال مجاهد والضحاك، وغيرهما :" الدهان " : الدهن، والمعنى : صارت في صفاء الدّهن، والدهان على هذا جمع دهن.
٣٣٥
وقال سعيد بن جبير وقتادة : المعنى تصير في حُمْرة الورد، وجريان الدهن، أي : تذوب مع جريان الدهن حتى تصير حمراء من حرارة نار جهنم، وتصير مثل الدهن لرقّتها وذوبانها.
وقيل : الدهان : الجلد الأحمر الصرف.
ذكره أبو عبيدة والفراء.
أي : تصير السماء كالأديم لشدّة حر نار جهنم.
وعن ابن عباس : المعنى : فكانت كالفرس الورد في الربيع كميت أصفر، وفي الشتاء كميت أحمر، فإذا اشتد الشتاء كان كميتاً أغْبر.
وقال الفراء : أراد الفرس الوردة، تكون في الربيع وردة إلى الصُّفرة، فإذا اشتد البرد كانت وردة ؛ فإذا كان بعد ذلك كانت وردةً إلى الغبرة، فشبه تلوّن السماء بتلوّن الورد من الخيل.
وقال الحسن :" كالدِّهان " أي : كصبّ الدهن، فإنك إذا صببته ترى فيه ألواناً.
وقال زيد بن أسلم : المعنى : أنها تصير كعكر الزيت.
وقيل : المعنى أنها تمر وتجيء.
قال الزجاج : أصل الواو والراء والدال للمجيء والإتيان.
وهذا قريب مما تقدم من أن الفرس الوردة تتغير ألوانها، والورد أيضاً : يطلق على الأسد.
وقال قتادة : إنها اليوم خضراء، وسيكون لها لون أحمر.
حكاه الثعلبي.
قال المارودي : وزعم المتقدمون أن أصل لون السَّماء الحمرة، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة يرى لونها أزرق، وشبهوا ذلك بعروق البدن، وهي حمراء حمرة الدم، وترى بالحائل زرقاء، فإن كان هذا صحيحاً، فإنَّ السماء لقربها من النَّواظر يوم القيامة، وارتفاع الحواجز ترى حمراء ؛ لأنها أصل لونها.
والله أعلم.
قوله تعالى :﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾ التنوين عوض من الجملة، أي : فيومئذ انشقَّت السَّماء، والفاء في " فيومئذٍ " جواب الشرط.
وقيل : هو محذوف، أي : فإذا انشقت السَّماء رأيت أمراً مهولاً ونحو ذلك.
والهاء في " ذنبه " تعود على أحد المذكورين، وضمير الآخر مقدر، أي : ولا يسأل عن ذنبه جانّ أيضاً ؛ وناصب الظرف " لا يسأل " و " لا " غير مانعة.
٣٣٦


الصفحة التالية
Icon