وقد تقدم الخلاف فيها في الفاتحة وتقدمت قراءة " جأنٌّ " بالهمزة فيها أيضاً.
فصل في الكلام على هذه الآية قال المفسرون : هذه الآية مثل قوله تعالى :﴿وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص : ٧٨].
وأن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم، فيسأل في بعض، ولا يسأل في بعض.
وهذا قول عكرمة.
وقيل : المعنى لا يسألون إذا استقرُّوا في النَّار.
وقال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ؛ لأن الله - تعالى - حفظها عليهم، وكتبتها الملائكة.
رواه العوفي عن ابن عباس.
وعن الحسن ومجاهد أيضاً : لا تسأل الملائكة عنهم ؛ لأنهم يعرفون بسيماهم.
دليله قوله تعالى :﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾، رواه مجاهد عنه أيضاً في قوله تعالى :﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر : ٩٢]، وهو قوله تعالى :﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ﴾.
قال : لا يسألهم ليعرف ذلك منهم، ولكنهم يسألهم لم عملتموها ؟ سؤال توبيخ.
وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم.
وقال قتادة : يسألون قبل الختم على أفواههم، ثم يختم على أفواههم، وتتكلم جوارحهم شاهدة عليهم.
قوله تعالى :﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾.
قرأ حماد بن أبي سليمان :" بِسِيمائِهِمْ " بالمد.
قوله تعالى :﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي﴾ الآية.
" يُؤخذ " متعدّ، ومع ذلك تعدى بالباء ؛ لأنه ضمن معنى " يسحب ".
قاله أبو حيان.
و " يسحب " إنما يتعدى بـ " على "، قال تعالى :﴿يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ [القمر : ٤٨] فكان ينبغي أن يقول : ضمن معنى يتعدى " يدعون أو يدفعون ".
وقال مكّي :" إنما يقال : أخذت الناصية، وأخذت بالناصية، ولو قلت : أخذت الدَّابة بالناصية، لم يجز.
٣٣٧
وحكي عن العرب : أخذت الخِطَام، وأخذت بالخِطَام.
بمعنى.
وقد قيل : إن تقديره : فيؤخذ كل واحد بالنَّواصي، وليس بصواب ؛ لأنه لا يتعدى إلى مفعولين أحدهما : بالباء، لما ذكرنا، وقد يجوز أن يتعدى إلى مفعولين : أحدهما بحرف جر غير الباء، نحو : أخذت ثوباً من زيد، فهذا المعنى غير الأول، فلا يحسن مع الباء مفعول آخر إلاَّ أن تجعلها بمعنى " من أجل "، فيجوز أن تقول :" أخذت زيداً ثوباً بعمرو " أي : من أجله وبذنبه ".
انتهى.
وفيما قاله نظر، لأنك تقول :" أخذت الثوب بدرهم " فقد تعدّى بغير " من " أيضاً بغير المعنى الذي ذكره.
وقال ابن الخطيب : فإن قيل : كيف عدي الأخذ بالباء وهو متعد بنفسه قال تعالى :﴿لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾ [الحديد : ١٥] وقال :﴿خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ﴾ [طه : ٢١] ؟.
فالجواب أن الأخذ تعدى بنفسه كما تقدم، وبالباء كقوله تعالى :﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ [طه : ٩٤] لكن التدقيق فيه أن المأخوذ إن كان مقصوداً فكأنه ليس هو المأخوذ، فكأن الفعل لم يتعد إليه بنفسه، فيذكر الخوف ويدل على هذا استعمال القرآن، فقال تعالى :﴿خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ﴾ [طه : ٢١]، وقال تعالى ﴿وَلْيَأْخُذُوا ااْ أَسْلِحَتَهُمْ﴾ [النساء : ١٠٢] وأخذ الألواح إلى غير ذلك مما هو المقصود بالأخذ غيره، وأسند الأخذ إلى النواصي دون ضمير المجرمين إشارة إلى استيلاء الآخذين على المأخوذين وكثرتهم وكيفية الأخذ.
و " أل " في " النَّواصي والأقْدَام " ليست عوضاً من ضمير عند البصريين، فالتقدير : بالنواصي منهم، وهي عند الكوفيين عوض.
والنَّاصية : مقدم الرأس، وقد تقدم هذا مستوفى في " هود " وفي حديث عائشة رضي الله عنها :" مَا لَكُمْ لا تَنُصُّونَ مَيَّتَكُمْ " أي : لا تمدُّون ناصيته.
و " النَّصيّ " : مرعى طيب، فقولهم : فلان ناصية القوم، يحتمل أن يكون من هذا، يعنون أنه طيب منتفع، أو مثل قولهم : هو رأسُ القَوْمِ انتهى.
فصل في سيما المجرمين قال الحسن :﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي بسواد الأوجه، وزرقة الأعين قال تعالى :﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً﴾ [طه : ١٠٢].
وقال تعالى :﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران : ١٠٦].
٣٣٨


الصفحة التالية
Icon