فقوله :﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ﴾ أي : يأخذ الملائكة بنواصيهم، أي : بشعور مقدم رءوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار.
و " النَّواصي " : جمع ناصية.
وقال الضحاك : يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره حتى يندقَّ ظهره، ثم يلقى في النّار.
وقيل : يفعل به ذلك ليكون أشد لعذابه، وأكثر لتشويهه.
وقيل : تسحبهم الملائكة إلى النَّار، تارةً تأخذ بناصيته، وتجرّه على وجهه، وتارةً تأخذ بقدميه وتسحبه على وجهه.
فإن قيل : ما وجه إفراد " يُؤخَذ " مع أن المجرمين جمع، وهم المأخوذون ؟.
فالجواب من وجهين : الأول : أن قوله :" يُؤخَذُ " متعلق " بالنواصي "، كقولك : ذهب يزيد.
والثاني : أن يتعلق بما يدلّ عليه " يؤخذ "، فكأنه قال : يؤخذ المأخوذون بالنواصي.
قوله تعالى :﴿هَـاذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ أي يقال لهم : هذه جهنّم.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : معناه هذه صفة جهنم، فأقيم المضاف إليه مقام المضاف، وقد يكون المشار إليه هو ما تقدم.
قال : والأقوى أن يقال : الكلام تم عند قوله تعالى :﴿بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ﴾، وقوله تعالى :﴿هَـاذِهِ جَهَنَّمُ﴾ لقربها، كما يقال : هذا زيد قد وصل إذا قرب مكانه، فكأنه قال : جهنم التي يكذب بها المجرمون هذه قريبة غير بعيدة عنهم، ويؤيده قوله :" يُكَذِّبُ " ؛ لأن الكلام لو كان بإضمار يقال، لقال تعالى لهم :(هذه جهنم التي كذب بها المجرمون) ؛ لأن في ذلك اليوم لا يبقى تكذيب.
قوله تعالى :" يَطُوفُونَ ".
قراءة العامة :" يَطُوفون " من " طاف "، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأبو عبد الرحمن :" يُطَافُونَ " مبنيًّا للمفعول، من أطافهم غيرهم.
والأعمش وطلحة وابن مقسم :" يُطَوِّفُون " بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة، أي يطوفون أنفسهم.
وقرأت فرقة :" يَطَّوَّفُونَ " بتشديد الطَّاء والواو، والأصل :" يتطوّفون ".
٣٣٩
قوله تعالى :﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ أي : حَارّ متناهٍ في الحرارة، وهو منقوص كـ " قاض " يقال :" أتَى يَأتِي فهو آتٍ " كـ " قَضَى يَقْضِي فهو قَاضٍ ".
وقد تقدم في " الأحزاب ".
قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم، ومرة بين الحميم والجحيم.
و " الحميم " : الشّراب.
وفي قوله تعالى :" آنٍ " ثلاثة أوجه : أحدها : أنه الذي انتهى حرّه وحميمه.
قاله ابن عبَّاس، وسعيد بن جبير، والسدي، ومنه قول النابغة الذبياني :[الوافر] ٤٦٥٠ - وتُخْضَبُ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وخَانَتْ
بأحْمَرَ مِنْ نَجِيعِ الجَوْفِ آنِ
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٢٤
وقال قتادة :" آن " طبخ منذ خلق الله السموات والأرض، يقول : إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك.
وعن كعب : أنه الحاضر، وعنه أيضاً :" آن " اسم واد من أودية جهنّم.
وقال مجاهد : إنه الذي قد آنَ شربه، وبلغ غايته.
ثم قال :﴿فَبِأَيِّ آلا ااءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
فإن قيل : هذه الأمور ليست نعمة، فكيف قال : بأي آلاء ؟.
فالجواب من وجهين.
أحدهما : أن ما وصف من هَوْلِ القيامة، وعقاب المجرمين فيه زَجْر عن المعاصي، وترغيب في الطَّاعات وهذا من أعظم النعم.
٣٤٠
" روي أن النبي ﷺ أتى على شاب في الليل يقرأ :﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ فوقف الشَّاب، وخنقته العبرة، وجعل يقول : ويحي من يوم تنشقُّ فيه السماء وَيْحِي، فقال النبي ﷺ :" ويحك يا فتى، يأتيني مثلها، فوالذي نَفْسِي بيدهِ لقَدْ بَكَتْ ملائكةُ السَّماءِ منْ بُكائِكَ ".
الثاني : أن المعنى كذبتم بالنعم المتقدمة ما استحقيتم هذه العقوبات، وهي دالة على الإيمان بالغيب، وهو من أعظم النعم.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٢٤


الصفحة التالية
Icon